( بقلم : أشرف ونيس ) .
س : أين هابيل أخوك ؟ ج : أحارس أنا لأخي ؟
إنه ذلك التساؤل الذي شق أغوار الزمن بكل أحقابه و حلقاته حين اصطدم بسؤال كان ردًا و إجابة على نفس السؤال !!!
لكنه لم يكن إجابة شفيفة شافية ، بل كان كذبًا صارخًا كامنًا و مغلفًا بتجنٍ و قتل و تعدٍ على شقيق لم يكن مثله فى كل الارض ، كيف لا ولم تسع الأرض سوى أخوين إثنين لم يحتمل أحدهما الآخر !!!
و لكن هاهى علامات الحيرة و الدهش حين صالت و جالت مترنحة النظر بين هذا و ذاك للبحث و النبش عن من يروى غليل استقصائها و بحثها عن حل تلك الأحجية التى لطالما أرقتها و اغتالت انسجامها ؛ لماذا لم يجانح من يزهقون أرواح العباد ( هابيل ) فى فعلته إن لم يجدوا بدًا لهم فى المثول الى السلم و التآلف و المحبة ؟! لماذا لم يكفهم القتل و سفك دماء الأبرياء بل راحوا يقسمون و يتقاسمون ليس ثيابهم فحسب - أولئك من غادروا الحياة عن دون رغبة منهم - بل خلاياهم مجتمعة أى أبدانهم ، و عندما توارت الأبالسة خجلاً من بعض الأفعال ؛ لم يعترِ البشر أى من حمرة الخجل حينما أخذوا يبيعون و يبتاعون أعضاء و أجزاء البشر بحفنة من الأوراق قد مالوا إليها فمالت بنا الأرض عن توازنها و اتزانها ..... و هكذا بات المال فى مقابل الإنسانية و الحياة و الوجود بكامل ما يحمله من معنى و معانٍ !!!
أى عقاب يستحقونه من نظروا إلى البشر نظرتهم الدونية الدانية ؟! و أى قصاص يرتضي أن يلاصقهم ؛ من أحبوا أبدان البشر من دون البشر أنفسهم ؟! أإلى هذا التوحش المستأنس بل التأنس المستوحش لم يدخروا جهدًا ليشخصوا إلى بني آدم كجسد بل كأجزاء منه ، لكننا نراهم يعيثون فى الأرض طولاً و عرضًا من دون من يلجم خطاهم و يعصب أعينهم ، حينها تحيرت الأذهان و العقول آمرة الأعصاب بالصحو من سباتها مصاحبة معها كم لا بأس به من خفقات القلب التي أنَّت من الركض الثابت ، كما لم يتورع فى ذلك التنفس على زيادة معدلاته الحثيثة و هكذا الدم فى زيارته المتسارعة الى الجسد في عضلاته و عندها صرخ الخوف مستعليًـا بصوته بأنه المسيطر و المهيمن و الباسط أجنحته حول الجميع ! وبقدر خروج سكان الجحيم من وهدتهم الجهنمية و توعدهم لسكان أرضنا ؛ هكذا باتت توقعات الأنفس لا تعدو كونها قاتمة اللون ، قاسية الحدث ، خائبة الظن ، خائرة الملامح ، مرتعدة التكهن ، تائهة الأمان ، داكنة الأُطُر ، حالكة الكَبِد ...... ، فى انتظار من يخلصها و يصحبها عودةً إلى غابر الأيام و ما خلا منها أو حتى قيادةً إلى قادم الأيام و نهايتها !!!
و لكن لطالما أخذنا التساؤل ؛ مذ متى و كانت فراخ الثعابين تتوالد من غير والد لها ؟! و فى أى عهد كانت صغار العقارب تفرخ بلا مفرخ لها ؟! ف السببية هى ناموس الوجود ، كما أن مبدأ العلة الأولى هى ما تتكئ عليه الكائنات متى كانت و تكونت و باتت فى كينونتها كائنةً تشغل من الفراغ مكانًا و حيزًا و مساحة ، لكننا نعرف الصغار بلا كبير لهم و نتعارف على المولود من دون أم له ، و هكذا من يفعل الجرم لابد له من مجرم عتيد يقبع وراء جرمه لكنه متوارٍ فى ثنايا الخفاء بلا ظهور و كشف و بيان ، و من يذنب ليس لشئ إلا لكون ثبات مذنب آخر صلب و شديد يسانده و يؤازره بكل عون و دعم و مداد لكنه فى أعماق المجهول يمرع و ينعم و يرفل ، فهل من تجلٍ لشمس الحق فائضة لنا بما تجود به من حقائق و حقوق ؟! أم سنظل نرزح تحت ثقل الهم و الهموم لا نعرف لصفاء موج الحياة دربًا و سبيلاً ؟! هل سيتخلل قلوبنا و نفوسنا و أرواحنا الحَيْرة المرتكنة الى كثرة الاضطراب و قلة السكينة أم سوف نهتدى إلى ما يرنو لكل حدب و صوب بغير موطن له - السلام ! نساكن الأرض و تسكننا الرهبة و نتطلع للسكنى بين قوسي الأمن الأمان لعلنا نجد وجودنا بعد تشرذمه و تنثره إلى حيث لا وجود له !!!