الأب جون جبرائيل
في زاوية في مقهى قديم في أحد المدن الألمانية، في ليلة من ليالي الشتاء القارص، يعمّ الهدوء الشارع. جلس نيتشه في إحدى زوايا المقهى باحثًا عن الدفء بعد موت شمس النهار. كان مستغرقًا في تفكيره، يحدّق في فنجان القهوة أمامه كأنّ أفكار العالم كلّها يمكن اختزالها في تلك الدوائر السوداء. فجأة، قاطع صمته صوتٌ هادئ.

يسوع: (مشيرًا إلى الكرسيّ المقابل)، هل هذا المقعد شاغرٌ؟
نيتشه: (من دون أن ينظر إليه، يردّ بجفاء): تمامًا مثل شغور العالم من الله.

(قهقه الغريب بصوتٍ ملحوظ، ما جعل نيتشه ينظر إليه أخيرًا. اتّسعت عيناه بدهشة، وحدّق في وجه الرجل.)
نيتشه: (مذهولًا): يسوع!

يسوع: (يبتسم): غريبة، مش كده؟ مكنتش أتوقع إني أشوفك بعد ما أعلنت موت الله!
نيتشه: (يبتسم ويشير للنادل): واضح إن قهوتي محتاجة إعادة نظر.

يسوع: متقلقش. أنا مش هنا عشان أوضح وجهة نظر فلسفية ولا لاهوتيّة.

نيتشه: يميل إلى الخلف وينظر إليه: إذًا، ما الذي جاء بك إلى هنا؟ هل هو شغف النقاش، أم رغبة في تفنيد أفكاري؟
يسوع: بصراحة، جاي أشوف إزاي العالم عايش بعد ما أصدرت حكمك بموت الله. كنت متشوّق أعرف رأيك في النتيجة.
نيتشه: (يضحك): العالم؟ آه، لم يزل عالقًا في العبثية نفسها، لكن بأدوات أحدث. أعلنتُ موت الله، لكنّي أظنّ أننا استبدلناه بآلهة آخرى، هواتف ذكية، إنترنت، صراع على العروش، المال، السلاح!

يسوع: (يلتقط هاتفًا من جيبه): تقصد هذا؟
نيتشه: ينظر إليه متفحصًا: لديك هاتف؟

يسوع: (بابتسامة): آه، طالما أنا هنا لازم أكون واحد من عصري، مواكب للناس، بستخدم اللي بيستخدموه. لسه من يومين كتبت بوست على الفيسبوك، بعض من تلاميذي عملولي بلوك!

نيتشه: (يضحك ساخرًا): إذًا، السماء نفسها أصبحت أكثر "حداثة"!

يسوع: مش بالضبط، أنا بس قلت الحمد لله متسجنتش! لكن قل لي، هل شعرت بالفراغ اللي انت خلقته؟

نيتشه: (يفكر قليلاً): الحقيقة؟ أحيانًا. كنت أريد أن أحرّر البشر ليصبحوا ما يريدون، لكن يبدو أنهم فقط أرادوا استبدال الآلهة بأصنام أخرى.
يسوع: (بابتسامة حزينة): الحرية بلا حبّ هي عبودية من نوع آخر.

نيتشه: (بضحكة خفيفة): وأنت، ما زلتَ تتحدّث عن الحب.
يسوع: (بجدية): وهل لديك بديل أفضل؟

نيتشه: (يشير إلى فنجانه): القهوة. على الأقل، هي تعطيك دفعة من الطاقة من دون تعقيدات.
يسوع: (يضحك): صحيح، لكنها لا تشبع الروح.
نيتشه: (يبتسم): يبدو أننا ندور في الدائرة نفسها.

يسوع: (يتكئ للأمام): ربما. لكن حتى الحلقة المغلقة يمكنها أن تصبح بداية لدائرة جديدة.

(ساد صمت عميق، ثم قال نيتشه):
نيتشه: بهدوء: أنت حالمٌ، هل تعتقد أن الله، أو الحبّ كما تسمّيه، يمكن أن يعود؟
يسوع: (بابتسامة مشفقة): لم يذهب أبدًا، يا فريدريك. كنت فقط تبحث عنه في المكان الخطأ.

(ارتشف نيتشه ما تبقى من قهوته، ثم نظر إلى يسوع نظرة طويلة، كأن أفكاره تتصارع في عقله. ثم قال):
نيتشه: بتهكم: إذا كان هناك قيامة للحب، ربما يحتاج الأمر إلى أكثر من مجرد قهوة لأواكب هذا الحدث الكبير.
يسوع: (بابتسامة هادئة): ربما، لكن ربما، في النهاية، أن تكون حرًا، هو أن تقترب من هذا الحب الذي لا يموت.

نيتشه: (بتحدٍ): وهل يكون هذا هو ما يعنيه "الإنسان الأعلى"؟ أن نبحث عن الحب في الأماكن التي تركها الله وراءه؟
يسوع: (بتفكير عميق): ربما أنك تبحث عن الحب في أماكن كثيرة، لكنك لن تجد سوى نفسك.

(تنهّد نيتشه، ثم قام من مكانه، وأخذ خطوة نحو الباب، لكن قبل أن يخرج، قال):
نيتشه: (بهدوء): ربما لن يكون هناك عودة لله، ولكن ربما، مجرد ربما، نحن من يصنع تلك العودة في داخلنا. لنرَ ما يخبئه المستقبل.
(فأجاب يسوع بابتسامة أخيرة، بينما كان نيتشه يبعد عن ناظريه شيئًا فشيئًا):
يسوع: (بصوت هادئ): ربّما!