ماهر فرغلي
أعتقد أنني متابع جيد لخطاب جماعة الإخوان وحلفائها وشركائها وحتى بعض المنشقين منها، وقد لاحظت الآتي خلال الفترة الماضية:
1. اتهام النظام المصري أنه مرتبك ومرتعب من وصول الجولاني لحكم سوريا.

2. زيادة الدعوات للثورة، والتهديد بتكرار النموذج السوري في مصر، حتى أن حمزة زوبع وغيره هددوا الدولة بتنظيم القاعدة.

3. الأكثر حياءً منهم يتهم النظام أنه خائف، لكنه يغلف ذلك بنصيحة نهائية بعمل مراجعة للحريات، والمقصود هنا (الإفراج عن الإخوان من السجون).
4. مدح النظام التركي على طول الخط، اقتصاديا وسياسيا، وحتى في تحركاته في القرن الإفريقي، وفي سوريا مؤخراً، واعتبار أن ذلك نصر مبين، وتركيا حامية الإسلام والمسلمين، رغم أن الجولاني نفسه دارت معارك بينه وبين القوات الموالية لتركيا على الحدود الشمالية لسوريا عقب اتفاق أستانة وسوتشي، وقام بحملة تسمى حملة الإمارة قتل فيها المئات من الموالين لتركيا.

نأتي إلى حكاية الخوف من النموذج الجولاني:
أولا. استحالة تطبيق هذا النموذج في مصر لأسباب كثيرة منها: أن سوريا غير مصر من ناحية الإثنيات والمذاهب المختلفة، وثانيا من ناحية التطبيق، فقد حاولت كل التنظيمات من الخمسينات وحتى الآن تطبيق كل النظريات، في حرب العصابات والانقلابات العسكرية، وتجريب الاغتيالات والنكاية... الخ وفشلت فشلا ذريعاً بسبب قوة الأجهزة المصرية، حتى أن تنظيم القاعدة ذاته أعلن في عام 95 وقف عملياته في مصر لعدم القدرة، وثانيا بسبب ضعفها كحركات مسلحة، وثالثا لأن النظام السوري نظام قمعي كبير، فمصر لم تدمر مدينة مثل حماة وتقتل 40 ألفا و10 ألاف آخرين في سجن تدمر في ليلة واحدة، ولم تسجن الألاف لمدة 40 سنة، ولم تقم بمذابح للمساجين وتقتلهم في حفر جماعية، بل في كل مرحلة إما تسمح لهم بمراجعات وندوات للرأي وتفرج عنهم، أو تقبل منهم مبادرات وقف العنف وتسمح لهم بالعودة، أو تفرج عنهم تباعا كما يحصل الآن، وأنا لدي قائمة كبيرة بقيادات للإخوان تم الإفراج عنها خلال السنوات الثلاث الماضية دون الإعلان عنها، وأخيرا فالجيش السوري كان جيشا تحكمه أقلية علوية، والدولة بالكامل يسيطر عليها العلوين دون باقي فئات الشعب، اما الجيش المصري فهو جيش مصر فقط، وأجهزة الدولة الأمنية هي تابعة للدولة فقط وليس لطائفة، لذا فقد فشلت كل الجهود في دعم وتمويل الإرهاب في سيناء وانكسرت على صخرة الجيش المصري، وانتهت تماما.

ثانيا. مصر تخشى بالفعل من النموذج السوري الآن، لكن ليس خوفا منه بقدر ما هو خوف على سوريا نفسها، لأن الأمن القومي المصري يبدأ من الشام طوال التاريخ، وما يجري الآن هو خطة غربية محكمة برعاية أمريكية، وتنفيذ تركي، من أجل تحقيق النتيجة التالية: 1. تدمير الجيش السوري بالكامل، وهذا ما جرى عقب سقوط بشار وفراره 2. وصول إسرائيل إلى القنيطرة، على بعد 12 كيلو من العاصمة دمشق 3. سيطرة تركيا على منابع المياه للدولة السورية، واحتمالية قيامها بحرب مباشرة ضد قوات سوريا الديمقراطية، بما سيتسبب في فوضى في الشمال، وإمكانية الإفراج عن المحتجزين داخل مخيم الهول، وهم 2000 من قيادات داعش، و40 ألفا من أسر التنظيم 4. نجاح خطة تفكيك المنطقة وتقسيمها لدويلات عن طريق الإسلاميين، الذين سيحكمون دمشق، ولن يحاربوا إسرائيل وفق تصريح الشرع نفسه، لكنهم سيتمكنون من حكم سوريا، ثم سيتحولون إلى خطة التمدد، وإطلاق الثورة عن طريق الألاف من عناصرهم الذين تم تجنيسهم، ويمكن ملاحظة ذلك في قائمة الترقيات التي قام بها السيد الشرع، والتي تضمنت مصريين وشيشانيين وروس وطاجيك... الخ

هذا هو ما تخشاه مصر فقط، لكنها لا تخشى زحف الإخوان، أو الثورات التي يعلن عنها الإخوان في كل وقت، أو ما يتخيلونه من جلوس بعض الأجهزة مع بعض البدائل... الخ، وإلا كانت قد أنهت مشكلة الجماعة من فترة طويلة جدا، واستجابت لنداءات قادة الجماعة، ومنهم الراحل إبراهيم منير، ومن بعده صلاح عبد الحق وحلمي الجزار، وغيرهم، ممن قبّلوا الأرض من أجل أن موافقة الدولة على المصالحة، لكنها رفضت، وكان يمكنها القبول، والإفراج عن بعض قيادات الجماعة من السجون، لكنها أصرت على الإفراج عنهم وفق أوضاعهم القانونية، وعقب انتهاء أحكامهم، وحتى لما جلس الزعيمان السيسي وأردوغان، لم تذكر مصر مطلقا ما يخص ملف الهاربين إلى تركيا، ولم تطلب تسليمهم، وكأنهم لا قيمة لهم ولا أهمية، وتحدثت فقط في ملفات أكثر أهمية مثل الحدود المائية، ووضع تركيا في ليبيا... الخ

الزاوية الحقيقية التي نفهم منها هذا الأمر أن كل عناصر الجماعة والموالين لهم لا بد أن يتكلموا ويكتبوا ويمدحوا في الجولاني وغيره، أو في تركيا وزعيمها، لأنه مطلوب منهم ذلك، ويتم تمويلهم من أجل هذا الأمر، كما تم تجنيسهم تركيا لأجل هذا الموضوع، لذا فهم يقدمون فروض الطاعة طوال الوقت، وأنا منذ أيام علقت على أحدهم وكانت تربطني به علاقة قديمة، حين كتب يمدح في تركيا وزما فعلته مع المهاجرين السوريين، رغم أن ذلك عارٍ عن الصحة، فقد استقبلتهم في مخيمات في عز البرد والثلج، وساومت الغرب على معونات مالية مقابل عدم تركهم يفرون إلى أوروبا، في مقابل مصر التي جعلتهم مواطنين مصريين يسكنون ويتاجرون ويعيشون كأفراد مصريين لهم كل الحقوق، وتحمل الرئيس المصري الكثير من النقد من أجل هذا الأمر، لكنه رفض ألا يفعل إلا ما يمليه عليه وازعه الديني وضميره الإنساني.

أحدهم كتب عن الجولاني أنه بيبرس وأن هاكان فيدان هو أرطغرل، ولأنه جاهل، فهو لا يعرف أن أغلب المصادر التاريخية تحدثت عن أرطغرل وأنه ليس بمسلم، ولم يدحل الإسلام، وكل ما كتب عنه هو دراما تركية فقط، وآخر طوال الوقت يمدح في مخابرات تركيا، وأنها أشطر مخابرات في العالم... طبعا حتى يرضيهم ولا يطردونه خارج إستانبول...الخ  

إن هؤلاء يرون الأمور في مصر بعين الفارين، والمقيمين بعيدا عن الدولة ألاف الأميال، وبعين الممولين لهم، وبعين الذين يريدون الثأر لمواقف شخصية، والقلة منهم يكتبون من زاوية تتعلق بالفكر، وهؤلاء برأيي بعضهم سيدرك في يوم ما أنه كان على خطأ كبير، والبعض الآخر سيظل أعمى ولن يهديه الله سبيلا.