القمص يوحنا نصيف
    يؤكِّد القدّيس أثناسيوس الرسولي أنّ ابن الله الكلمة عندما تجسَّد قد اتّحَد بجسد بشري مماثل لنا تمامًا، لكي يُقَدِّس أولئك الذين أتى إليهم، والذين يَقبَلونه بأمانة.

    فماذا كانت مُكتَسَبات البشريّة من أنّ الله يَتَّخِذ جسدًا مثل أجساد البشر لكي يتّحد به؟
    وما هي طبيعة جسد المسيح؟ وهل كان به ضعفات بشريّة؟
    وما أهمّيّة أن يتجسّد الله؟
    وما قيمة أنْ نتّحِد نحن به؟!

    سنعرض بنعمة المسيح في هذا المقال بعض فقرات من كلمات للقدّيس أثناسيوس كي تشرح لنا هذا الموضوع:
    + قيل عن خواصّ الجسد أنّها خاصّة به [بالكلمة] حيث إنّه كان في الجسد، وذلك مثل أن يجوع، وأن يعطش، وأن يتألّم، وأن يتعب، وما شابهها من الأمور المختصّة بالجسد، بينما مِن الناحية الأخرى فإنّ الأعمال الخاصّة بالكلمة ذاته مثل إقامة الموتَى، وإعادة البصر إلى العميان، وشفاء المرأة نازفة الدم، قد فعلها بواسطة جسدِهِ، والكلمة حَمَلَ ضعفات الجسد كما لو كانت له، لأنّ الجسد كان جسده.

    + الجسد الذي حَمَل الضعفات، هو جسده الخاصّ، وبينما هو نفسه لم يُصِبْه ضررٌ أبدًا «حَمَلَ خطايانا في جسده على الخشبة» كما قال بطرس (1بط2: 24)، فإنّنا نحن البشر قد افتُدِينا من أوجاعنا، وامتلأنا ببِرّ الكلمة.

    + عندما تألّم الجسد، لم يكُن الكلمة خارجًا عنه، ولهذا السبب يُقال إنّ الآلام خاصّة بالكلمة، وعندما عمل أعمالَ الآبِ لاهوتيًّا، لم يكن الجسد خارجًا عنه، لكنّ الربَّ عمل هذه الأعمال في هذا الجسد نفسه.

    + لو كانت أعمال ألوهيّة الكلمة لم تحدُث بالجسد، لَمَا كان الإنسان قد تألّه، وأيضًا لو أنّ الضعفات الخاصّة بالجسد لم تُنسَب للكلمة، لَمَا كان الإنسان قد تحرّر منها تمامًا.

    + أمّا الآن فإذ صار الكلمة إنسانًا وجَعَل الأمورَ الخاصّة بالجسد خاصّةً به، فلم تَعُد تلك الأمور تُمسِك بالجسد بسبب الكلمة الذي قد جاء في الجسد، فقد انهزمت الأوجاع بواسطته ومنذ ذلك الحين فصاعدًا لم يَبَقَ الناس بعد خُطاةً وأمواتًا بحسب أوجاعهم بل قد قاموا بقوَّة الكلمة، وصاروا غير مائتين وغير فاسدين وأقوياء دائمًا.

    + مِن هنا أيضًا فبينما وُلِدَ الجسد من مريم والدة الإله، فإنّ الكلمة نفسه يُقال إنّه قد وُلِد، وهو الذي يُعطِي بداية الوجود للكائنات الأخرى، لكي يَنقِل بداية تكوينِنا إلى نفسه، ولكي لا نرجع فيما بعد كمجرَّد تراب إلى تراب، ولكن بارتباطنا بالكلمة الذي من السماء، فإنّنا نُحمَل إلى السموات بواسطته.

    + لأنّنا لم نَعُد نموت بحسب بدايتنا الأولى في آدم، بل بسبب أنّ بدايتنا وكلّ ضعفات الجسد قد انتقلت إلى الكلمة، فنحن نقوم من الأرض، إذ أنّ لعنة الخطيّة قد أُبطِلَت بسبب ذاك الذي هو كائن فينا، والذي قد صار لعنةً لأجلنا. وكما أنّنا نحن جميعًا من الأرض وفي آدم نموت، هكذا نحن إذ نُولَد من فوق من الماء والروح فإنّنا في المسيح نُحيا جميعًا. فلا يعود الجسد فيما بعد أرضيًّا بل يكتسب قوّة بسبب كلمة الله، الذي لأجلنا صار جسدًا.

    + حينما يُقال عنه، إنّه يجوع، وإنّه يعطش، وإنّه يتعب، وإنّه لا يَعرِف، وإنّه يَنام، وإنّه يبكِي، وإنّه يَسأَل، وإنّه يَهرَب، وإنّه يُولَد، وإنّه يتجنّب الكأس، وعمومًا إنّه يحتمل كلّ ما يخصّ الجسد، فينبغي أن يُقال في كلّ حالة من هذه الحالات.. أنّه يفعل هذا بالجسد لأجلنا.. لكي لا تُعتَبَر هذه الآلام خاصّة بطبيعة الكلمة ذاتها، بل هي خاصّة بطبيعة الجسد ذاتها.

    + لذلك لا ينبغي أن يَعثُر أحد بسبب الأمور الإنسانيّة، بل بالحرى فليَعرِف، أنّ الكلمة نفسه بالطبيعة هو غير قابل للتألّم، ومع ذلك فبسبب الجسد الذي اتّخذه تُقال عنه هذه الأمور، حيث إنّها أمورٌ خاصّة بالجسد، والجسد نفسه خاصّ بالمُخَلِّص؛ فبينما هو نفسه غير قابل للتألُّم بالطبيعة، ويظّل كما هو دون أن تؤذيه هذه الآلام، بل بالحرى إذ هو يوقفها ويلاشيها، فإنّ آلام البشر تتغيّر وتتلاشَى في ذلك الذي هو غير متألِّم، وحينئذٍ يصير البشر أنفسُهم غير متألّمِين وأحرارًا من هذه الأوجاع إلى الأبد.

    + يستطيع الجسد [الخاصّ بالمسيح، وهو يُعَبِّر عن لسان حالنا أيضًا نحن البشر المؤمنين به والثابتين فيه] أن يقول: أنّا من التراب، وبحسب الطبيعة مائتٌ، ولكن فيما بعد قد صِرتُ جسدَ الكلمة، وهو حَمَلَ أوجاعي، مع أنّه هو نفسه غير متألِّم، هكذا صِرتُ أنا حُرًّا من هذه الأوجاع، ولم أعُدْ بَعد مستَعبَدًا لها بسبب الربّ الذي قد حرّرني منها. لأنّكَ إن كنتَ تَعتَرِض على تحرّري من ذلك الفساد الذي هو من طبيعتي، فانتبِه أنّك بهذا تعتَرض على أنّ كلمة الله قد أخذ صورةَ العبد الخاصّة بي. لأنّه كما أنّ الربَّ بِلِبْسِهِ الجسد قد صار إنسانًا، هكذا نحن البشر فإنّنا نتألّه بالكلمة، باتّحادنا به بواسطة جسده، ولهذا فنحن سنرث الحياة الأبدية.

[المرجع: المقالة الثالثة ضدّ الأريوسيّين، للقدّيس اثناسيوس الرسولي، فقرات 31-34. الترجمة عن الأصل اليوناني للدكتور مجدي وهبة (القس صموئيل وهبة) والدكتور نصحي عبد الشهيد – مراجعة الدكتور جوزيف موريس فلتس. إصدار المركز الأُرثوذكسي للدراسات الآبائيّة بالقاهرة]
القمص يوحنا نصيف