ياسر أيوب
هل من حق أى أحد أن يرى نفسه ناجحًا حتى لو لم يعترف أى أحد آخر بهذا النجاح.. وأن يبقى هذا الإنسان سعيدًا بما يقوم به حتى لو لم يصفق له أى أحد.. وهل المفترض أن يبحث الإنسان عن نجاح ليسعد به أم لابد أن يرضى عنه الآخرون.. وهل هناك مقاييس محددة وواضحة ودائمة للنجاح أم أنها تختلف من إنسان لآخر وأيضا من وقت لآخر.
وأسئلة أخرى مماثلة تطرحها وتفرضها حكاية الأسترالية راشيل لويس جن التى مثلت بلادها فى دورة باريس الأوليمبية الماضية.. ففى تلك الدورة ظهرت رقصة بريك دانس لأول مرة كلعبة أوليمبية وشارك فى مسابقاتها لاعبون ولاعبات من ١٦ دولة.. وفاز الكندى فيليب كيم بذهبية الرجال والفرنسى ديفيد سيفيل بالفضية والأمريكى فيكتور مونتالفو بالبرونزية.
وفازت اليابانية إيمى يواسا بذهبية السيدات والليتوانية دومينيكا بانيفيتش بالفضية والصينية ليو كينجى بالبرونزية.. لكن لم يهتم العالم بأصحاب وصاحبات الميداليات قدر الاهتمام بحكاية الأسترالية راشيل التى لم تفز بأى نقطة فى باريس وكان الصفر هو رصيدها فى ثلاث جولات.. واعتبرها الجميع الأكثر فشلا فى تلك اللعبة وسخروا منها وثار الأستراليون ضدها ومن أرسلها إلى باريس.
ولم تنكسر راشيل رغم كل هذه الضجة والسخرية منها ومن أدائها ومن أصفارها.. وظلت صامتة حتى أعلنت مؤخرًا اعتزالها ليس بسبب جروحها لكن لأنها قررت الابتعاد عن إساءات السوشيال ميديا والذين يحترفون الإساءة للآخرين وإهانتهم.. وربحت راشيل الشهر الماضى قضيتها ضد فرقة مسرحية كانت ستقدم فى أحد مسارح سيدنى عرضا راقصا يسخر منها ومن أدائها وفشلها.
وبعد صمت طويل تحدثت راشيل وقالت إنها فى باريس حاولت تغيير مفهوم بريك دانس من مجرد رقص الشوارع إلى فن ورياضة تبرز قوة الجسد وقدرته وحركاته ومرونته.. ورفضت الثياب التقليدية التى ظهرت بها الأخريات والحركات التقليدية واختارت تقديم شكل جديد.. ولم تكن راشيل تكذب أو تبالغ فيما قالته.. فقد سبق لها دراسة الموسيقى المعاصرة فى جامعة ماكوارى فى سيدنى ونالت شهادة الدكتوراه عن بريك دانس والفوارق بين حركات جسد المرأة والرجل.
ولها أيضا كتابات وبحوث كثيرة عن دور الموسيقى فى تأكيد الهوية وعلاقتها بالثقافة والمجتمع.. وقالت راشيل أيضا البالغة من العمر ٣٧ عاما أنها لم تبحث فى باريس عن ميدالية أو تصفيق أحد لكنها أرادت استغلال الاعتراف الأوليمبى برقصة بريك دانس لوضع قوانين وشكل جديد لحركات الجسد بعيدا عن الارتجال والغرائز والإبهار الزائف.. وأخيرا قررت راشيل اعتزال كل ذلك لكنها ستبقى سعيدة بما حاولت تقديمه وتعتقد أنها نجحت فيه وستبقى سعيدة بنجاح لم يعترف به أحد.
نقلا عن المصري اليوم