د. وسيم السيسي
تقدمت اليابان لأنها أخذت بآخر ما توصل إليه العالم. لماذا لا نأخذ بالنظام الإنجليزى فى تنظيم العلاقة بين الطبيب والمريض، والطبيب والدولة؟ كان غير مسموح لنا فى إنجلترا بممارسة المهنة إلا بعد التأمين فى اتحاد الدفاع عن الأطباء medical defence union. أخطأ أحد الزملاء ومات المريض بحقنة بوتاسيوم كلوريد بدلًا من كالسيوم كلوريد. سلم نفسه للقضاء مع إقرار بأنه اعتزل المهنة بعد هذا الحادث الأليم. كانت الصدمة الحضارية لى أن المحقق يطلب من الطبيب أن يراجع نفسه فى قراره وما حدث قضاء وقدر، وسوف تقوم شركة التأمين بدفع المبلغ الذى سيحكم به القضاء.
كنت فى مؤتمر فى أورلاندو، تقدم أحد الأطباء بعملية جديدة وذكر المضاعفات، وعند المناقشة قام طبيب من إحدى الدول الآسيوية قائلًا: «لو أجريت هذه العملية وحدثت مضاعفة من هذه المضاعفات يجرى المريض ورائى بسكينة»، فكان رد صاحب العملية: «هنا قانون وليس سكينة».
دعوت الأستاذ مجدى حافظ المحامى بالنقض والإدارية العليا ونقيب محامى جنوب القليوبية إلى صالونى، صالون المعادى الثقافى الذى أقيمه فى مكتبة المعادى العامة، لإلقاء الضوء على مشروع قانون خاص بالأطباء وحماية المريض فى مجلس النواب. وكانت محاضرة فى الصميم أجملها فى النقاط الآتية..
١- المسؤولية الطبية حدودها المدنية والجنائية «عنوان المحاضرة».
٢- من ذا يفكر أن يفرض على الأطباء أو أى مهنة علمية أخرى مسؤولية مماثلة؟ تلك جميعًا مسائل علمية يتناقش فيها الأطباء، ولا يجوز أن تكون محل مسؤولية مدنية ولا أن تبحث أمام القضاء.
«بيان النائب العمومى بفرنسا»، ويتساءل: حماية المريض ممن؟.
٣- لا تقوم مسؤولية الطبيب أو الجراح إلا بتوفر واحد أو أكثر من أربعة شروط:
أ. ألا يكون مسموحًا له بمزاولة مهنة الطب.
ب. لم يستند فى عمله إلى دعوة من المريض أو رضاء منه.
ج. لم يبذل لمريضه جهودًا صادقًة تتفق والأصول العلمية.
د. إذا اتجه فى عمله وجهة أخرى غير صادقة.
«النقض المصرية طعن ٥٩٠٧٤ لسنة ٧٣ ق».
والأستاذ مجدى حافظ يعجب من أطباء فى مجلس النواب ليس لهم صوت عند التصويت ولا حتى نقيب الأطباء. والعجب الأكثر غرابة إذا أخطأ طبيب وعليه أن يدفع تعويضًا، على آلاف الأطباء أن يدفعوا. ويسأل: أين سيكون مقر هذا الصندوق؟ ولأى جهة تقوم بالإشراف عليه؟ وما ذنب الأطباء جميعًا بسبب واحد منهم؟ كما يعجب الأستاذ مجدى من الفقرة التى تقول: إذا تسبب الطبيب فى موت أكثر من ثلاثة!، ويسخر قائلًا: هل يمسك مشرطًا ويدخل يقطع فى شرايين الناس، أم سائق تاكسى يصدم مجموعة فمات ثلاثة؟.
نحن نعانى من التصحر الطبى. أخبرنى عميد كلية طب بالقاهرة: بكيت وأنا ذاهب إلى لندن «مؤتمر»، الطائرة كلها أطباء مصريون ذاهبون للعمل هناك.
مات الوزير المصرى عادل شاكر على يد طبيب أمريكى هنا فى مصر ولم يحدث شىء، بالرغم من أن الجراح الأمريكى تركه ينزف حتى الموت!. مات شاه إيران هنا فى مصر على يد جراح أمريكى لبنانى المولد «ديبيكى» حين قطع ذيل البنكرياس أثناء استئصال الطحال ولم يحدث شىء.
نحن الجراحين نصيب فى معظم الأحيان ونخطئ فى القليل، فى النادر، لأسباب خارجة عن إرادتنا. ولكن يكفينا شرفًا وفخرًا أننا كل يوم نصارع الموت من أجل الإبقاء على الحياة.
أخيرًا، ما هذا الحبس الاحتياطى؟ «صحيح رئيس النيابة»، ولكن له الحق فى التمديد أشهرًا كما يشاء. خبرونى، طالما قرأت: ضبط وإحضار الدكتور فلان، لماذا لا نكتب «استدعاء الدكتور فلان»؟ ولماذا لم أقرأ يومًا: ضبط وإحضار القاضى فلان، أو «وكيل النيابة فلان» أو حتى «ضابط المرور فلان»؟ وحتى إن تم، فهو سرًا دون تشويه للاسم أو الإعلان. بمشروع قانونكم هذا، سوف نرفض أى عملية كبرى لكم أو نرحل بعيدًا عنكم.
نقلا عن المصري اليوم