بقلم: أندرو اشعياء
«كانت حياتي أشبه بسفينة فقدت البوصلة في منتصف رحلتها، فهامت تلك السفينة تُجدف وتُبحر في إحدى الإتجاهات التي لا مخرج منها، فالماء لا يحيط السفينة فحسب! إنما يغمرها بالأكثر المجهول والموت! فما مصيرها بعد كل هذا؛ وأين السبيل لإنقاذها؟!  

إنها هي تلك الحياة التي نعتها المجتمع بالتشرد متى فقدت الضابط لها: الأسرة. لقد كانت أمي كثيرة الخلاف مع أبي التي لطالما لم يتنازل أحدهما للآخر اضطرا السبيل بهم إلى الإنفصال، وبالتالي أعطوني «كارت السماح» بالخروج من هذه «الورطة» أمام المجتمع بأن أسهر لوقت متأخر دون رقيب، أن أجوع.. أن أسطو على عابري الطرق.. أن أقسو على تلك الحياة «اللعينة» بأن أسرق أو أشرب أو أتعاطى.. فكلها صفات للتشرد الإجتماعي والديني والأخلاقي..

في البداية تعلمت أن أستخدم سبل غير نبيلة للخروج من هذه الدائرة، لعلها تُنسيني ألم هذه المآسي! وتطور الأمر إلى أن تكون هذه هي سمة حياتي.. تدربت أن أخطف، وأن أسرق تحت الضغط، وأن تتعرض حياتي للموت إن لزم الأمر؛ وفكرت كثيرًا أن أكتب قصتي علَّ أشرح ما في مُهجتي!! ولكن ربما يحدث هذا بعد تلك العملية الحالية.. «إنها ليلة عيد الميلاد وتقتظ البيوت بالأموال والهدايا.. فلا بأس منه رزق»..

هكذا حدّث نفسه وهو أعلى سور المنزل، ولحظات بسيطة وسيكون أما خزينة الرجل الثري، ويأخذ ما له بعد أن تأكد من خلو المنزل.. وبالفعل! دخل وأخذ يبحث في المنزل عن مال أو مجوهرات، ووجد شنطة سفر، أخذ يجمع فيها بعض المقتنيات والأشياء الثمينة، والتحف الفنية التي كانت الأسرة مغرمة باقتنائها، كان الرجل وزوجته خارج البيت، ولكن تركا ابنهما ذو الستة أعوام "بول" وابنتهم "كاترين" الأصغر نيام في البيت. ومع حركة اللص استيقظ الطفلان وأخذا يبحثا لعله "بابا نويل" قد أحضر لهما هدايا عيد الميلاد، سألت "كاترين" أخيها هل أتي بابا نويل محملًا بالهدايا؟ قال لها "بول" دعينا نبحث عنه..  وأخيراً أمسكا باللص، وفي براءة الأطفال سألاه: أنت مين؟ "بابا نويل ؟!". ولكن لم يكن ما يرتديه يوحى لهم بأنه «بابا نويل» ففي فزع رد أنه «يوسف النجار» ولستُ أعلم لماذا إختار هذه الشخصية!!

- "ولما أتيت يا يوسف ؟!
- "إن بابا نويل مُتعب، وقد أرسلني مكانه!
- "أأنت مَن ربيت بابا يسوع ؟! "
- "نعم" (في رهبه أجاب بعد تلعثم لسانه)
- "معاك هدايا؟ "

اضطر اللص أن يبحث فيما قام بسرقته، وكانت الفاجعة أن يجد ساعة اليد ومكتوب أسفل عقارب الساعة «أنا بحبك» وكانت الساعة هدية من والد الطفلين في عيد ميلادهم.. فما منه إلا أن فقد اتزانه وانهمرت دموعه، إذ أن الحب لغة التربية، وقد تربى على الهجر!!
سريعًا حبس دموعه، وفكر ألا يأخذ وقتًا مع الطفلين في الحديث، وأن يُفكر بأن يتحرك سريعًا أو يؤذي الطفلين في صالح أن يُتمم ما أراد، ولكن صوت وصول الأب حال أن يستأذن ويتحرك تاركًا لهم الشنطة بأكملها..

كانت ليلة تعادل كل حياته، بكى فيها كثيرًا، وجادل الله بالأكثر، وعاتبه، إلا أنه شعر بإرتياح شديد إذ تعلم أن السبيل لراحته في تلك الليلة كان في إهداؤه للأطفال ما لهم وليس له.. شنطة هداياهم البسيطة.. وتعلّم أن الله أعطانا ما ليس لنا وما لا نقدر عليه، وهبنا أن نعطي لإخوتنا ما ليس لنا.. ما ستر به علينا.. إن كنا محتاجين للأموال فسبيلنا إليه هو العطاء.. إن كنا نُريد أن نأخذ غفران علينا أن نغفر.. أن كنا ننتظر محبة وسلام من الأعداء علينا أن نحبهم.. إنها هدية الميلاد له «أن نُعطي».. يقولون ألآن أنه أحد أهم داعمي بيوت احتواء المتشردين في الشرق الأوسط! وقد حملت خدمته اسم «خدمة الميلاد»

كل عام وأنتم بكل خير..