الراهب القس يسطس الاورشليمى
عندما نتكلم عن الفرح فإننا لا نقصد مجرد حالة يعبر فيها المرء أنه فرحا سعيدا، أمام الآخرين إما بالضحك أو بإظهار المزاج الرائق، من الممكن أن يُفقد بسهولة.
هو الفرح المرفوض هو فرح أهل العالم. الأن الشيطان يريد أن يشغل الإنسان عن الفرح الحقيقي الفرح بربنا يسوع المسيح.
فالذين يفتشون عن الفرح في الأمور المادية والملذات الدنيوية(شهوة الجسد وشهوة العيون وتعظم المعيشة) يصيبهم الفشل ويحل بهم الكآبة إذ يضلون الطريق ويبعدون عن الفرح الحقيقي.
فيضيع الإنسان ويفقد أبديته.
بسبب التى الخطية تجلب حزنًا وتُغَرَّب الإنسان وتلد الأحزان والنحيب ليس فقط بالمفهوم الوقتي للحزن الخاص بهذا العالم الحاضر، بل بالمفهوم الأخروي والأبدي.
وهذا ما حدث مع الابن الضال إذ ذهب للكورة البعيدة بحثاً عن الفرح والسعادة التي ظن انه سيجدها بعيداً عن بيت الأب ولكنه في النهاية ذاق مرارة الذل والتعاسة.
من أجل الفرح والسعادة الوهمية الوقتية التي يقدمها العالم والشيطان للناس، لكنها سعادة مغشوشة وفرح باطل سرعان ما يتبخر ويتلاشى ويتحول إلى شقاوة وتعاسة، وللاسف هناك الكثيرين الذين ينسوا انه لا يوجد فرح ولا سعادة حقيقية بعيداً عن الله.
أما الفرح الحقيقي الروحي "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان" (غل 5 : 22).
هو الفرح السماوي، والسلام الإلهي الفائق.
هو أسلوب حياة روحية عميقة معاشة.
الذي يقود الإنسان إلى التمتع بالفرح الحقيقي هو إيمانه بمجيء المسيح الخلاصي للعالم، وإعتبار مسألة خلاصه هي محور حياته.
على أن تكون القداسة أثناء مسيرة الحياة هي الضامن الأكيد للتمتع بهذا الفرح الحقيقي.
لقد أتى ربنا يسوع المسيح إلى العالم مبطلاً مملكة الشياطين، أقصد أنه هزم مملكة القهر الداخلي والعبودية. فالإنسان عندما يكون حُرًا فهو يملك عندئذ إمكانية تذوق الفرح في كماله.
بينما العبودية تعني رفض الفرح. لقد كان المسيح حاملاً للفرح العظيم. والفرح كثمرة لشركة المؤمنين بالمسيح هو دائم وكامل.
والفرح في الرب هو المسحة الغالية على الكرازة الرسولية: "افرحوا في الرب وأقول أيضًا افرحوا". لذلك من الغرابة أن يتبنى البعض الحزن كسمة سائدة في الحياة الروحية.
"ابتهجوا... بالرب"؛ نفرح به لا بذواتنا، نفرح بحضرته لا ببركاته الزمنية.
من يُريد مشاركتهم أمجادهم فليتعلم لغتهم ويبدأ هنا بالفرح الداخلي وتسبيح القلب واللسان.
الطريق مع المسيح يتخذه الإنسان ويكون فرحا به جدا.
فقد اختاره بحريته كطريق للحياة الأبدية ولابد أن يكون فاهما وعارفا قيمة هذا الطريق وعظم المكافأة التى تنتظره.
لذلك يتميز هذا الفرح بمميزات منها أنه يبدأ هنا ويكتمل هناك فى السماء.
إن هدف الإيمان المسيحي بناء إنسان مملوء بالنعمة والفرح، مملوء برسالة النصرة ضد الخطية والموت.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:
من هنا (أورشليم) أختبر كل موضع في العالم الفرح، من هنا السعادة والبهجة، من هنا مصادر الفكر السليم؛ هنا صلب المسيح، ومن هنا انطلق الرسل... هذه البهجة خالدة.
ويكتب البابا أثناسيوس الرسولي إلى شعبه الذي تحل به التجارب على أيدي الأريوسيين قائلاً: [لنفرح عالمين أن خلاصنا يحدث في وقت الألم. لأن مخلصنا لم يخلصنا بغير ألم، بل تألم من أجلنا مبطلاً الموت، لهذا أخبرنا قائلاً: "في العالم سيكون لكم ضيق" (يو ١٦: ٣٣).
وهو لم يقل هذا لكل إنسان بل للذين يخدمونه خدمة صالحة بجهادٍ وإيمانٍ، أي أن الذين يعيشون بالتقوى من جهته يُضطهدون.]
يقول القديس كيرلس الأسكندري عن التجسد:
" لقد نزل كلمة الله من السماء... لكي يتحد بصفته العريس بطبيعة الإنسان، فيجعلها بذلك تثمر الثمار الروحية.
ولأجل ذلك تُدعى البشرية عروسًا كما يُدعى المخلص العريس" يو11:2 لهذ كان مجيء مخلصنا إلى العالم ـ
ويقول ايضا ـ بمثابة عيدًا عظيمًا إتحد فيه روحيًا بطبيعة الإنسان كمثل عروس له حتى أن هذه الطبيعة التي بقيت عاقرة زمانًا طويلاً تصير مثمرة ويزداد ثمرها.
فالمسيح صار لنا سلامًا ومسرة لأن الآب قد سُر أن يجمع فيه الجميع (أف10:1) ويربط معًا العلويين مع السفليين ويجعل الذين في السماء مع الذين على الأرض قطيعًا واحدًا.
وهكذا يدعو القديس أغسطينوس تجسد الكلمة عُرسًا، إذ يقول: " إن المسيح يدعو تجسده، أي تجسد الكلمة عرسًا لأنه في شخص الناسوت المتحد به قد اقترنت الكنيسة بالله".
الفرح المقدس:
فرح الإنسان عندما يقدم توبة:
الإنسان الذي كان يعيش في الخطية ويقدم توبة لربنا نجده بعد الاعتراف لأب اعترافه يخرج فرحان. وتفرح السماء بفرح الأب السماوي بكل إنسان يرجع ويقدم توبة، فرحه لا توصف.
فأن يبيع الإنسان كل شيء ليقتنى شيئا واحدا، فلابد أنه وجد الكنز المخفى أو اللؤلؤة الكثيرة الثمن، حتى أن فرحا عظيما قد اجتاح قلبه، فتضاءلت واضمحلت قيمة كل مالديه، وتحول فى نظره إلى نفاية :
أيضا يشبه ملكوت السماوات كنزا مخفى في حقل وجده إنسان فأخفاه ومن فرحه مضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل " (مت 13 : 44 ) ، فأسرع ونزل وقبله فرحا (لو 19 : 6)
فرح الإنسان بفعل الخير:
"تعالوا إلى يا مباركي أبى رثوا الملك المعد لكم منذ إنشاء العالم لأني جعت فأطعمتموني، عطشت فسقيتموني، كنت غريباً فأويتموني، عرياناً فكسوتموني.
مريضاً فزرتموني.
محبوساً فأتيتم إلىَ.. الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم" (مت25: 35-40)
فالنفس الفرحانة بربنا تعبر عن فرحها بالمسيح بعمل الخير مع المحتاجين والمساكين، وعجيب جداً أن السيد المسيح تكلم عن الفرح في العطاء وليس الفرح في الأخذ "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أع20: 35)
ففي العالم يفرح الإنسان يأخذ الماديات والشهوات واللذات، ولكن الفرح الروحي الحقيقي هو في العطاء.. لقد عكست المسيحية كل مقاييس العالم وأعلنت أن الفرح هو في العطاء.
فرح في الضيقات:
"احسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع1: 2).
إن أي ضيقات يسمح بها الرب تعنى أن هناك صليب في الأرض وإكليل في السماء، لذلك كان القديسين والشهداء يذهبون للاستشهاد وهم فرحين أن يقدموا حياتهــم.
إن علامة المسيحية هي الفرح، فإياكم أن تقلدوا أهل العالم فتفقدوا فرحكم الحقيقي في الضيقات والمشاكل متذكرين قول رب المجد: "فى العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو16: 33) "وكل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" (رو8: 28)
نريد أن نفرح الفرح المقدس الذي حسب إرادة الله، فلقد أعلن الملاك في عيد الميلاد المجيـــد "ولد لكم مخلص" (لو2: 11) الذي جاء ليخلص البشر من خطاياكم، فلنفرح لأن الرب تجسد سعياً للفداء ولكي يفرح قلوبنا:"لا ينزع أحد فرحكم منكم"
- نريد أن نتعلم الفرح الدائم، فنفرح قلوبنا من الداخل ويفرح قلب الله بالتوبة وترك الخطية والمواظبة على وسائط النعمة، والتناول من جسد الرب ودمه الاقدسين.
- نطلب من الله أن يجعل ايامكم كلها أفراح، فتعيشوا الفرح الروحي المقدس الذي هو بحسب إرادة الله، فرح التوبة، فرح التناول، فرح قراءة الإنجيل، فرح الصوم، فرح الصلاة، فرح العبادة المقدسة، فرح العطاء، فرح محبة الآخرين، لان هذا هو الفرح الحقيقي.
إن الفرح الحقيقي يرتبط إرتباطًا مباشرًا بحياة روحية جوهرية. لذا فأي شكل آخر للفرح يعتبر فرحًا مؤقتًا وظاهريًا لأنه قد يثير شعورًا كاذبًا بالفرح. فالبشر عادةً يفتشون على الفرح من خلال الأمور المادية واللذات الوقتية.
بيد أن هذا لا يعني أنه لا يوجد فرحًا حقيقيًا داخل الحياة، أو أن أي شكل للفرح في الحياة اليومية له مصدر خاطئ. ومن ناحية أخرى فإن الحياة النُسكية ليست ضد الفرح بل تهدف إلى تحقيقه.
فالروح القدس لا يسكن في الضمائر والقلوب المضطربة بل في البشر المملوئين نعمة وهدوء. فالفرح يجعل الإنسان مملوءًا بالنعمة ليس فقط بالمفهوم الإجتماعي بل بالمفهوم المواهبي والسرائري. إنه الفرح المعلن الذي يدل على النضج الروحي للإنسان.
وتحدث الآباء عن ما يُسمى الحزن المفرحcarmolÚph فالمؤمن ليس هو الإنسان المأسوي اليائس بل هو إنسان متفائل بالرجاء وفرح الإيمان. فالتجارب والآلام والأحزان تقودنا لا إلى اليأس بل إلى الفرح الطوباوي، وعلى المرء أن يتيقظ ويجاهد روحيًا حتى يتذوق مثل هذا الفرح.