الراهب القمص بطرس البرموسي
تعالوا بنا أيها الأحباء نفرح معًا ونتهلل بقدوم الابن الوحيد إلى الأرض بتجسده وميلاده من عذراء واعتماده في نهر الأردن وصنعه أول معجزة بتحويل الماء إلى خمرًا في عرس قانا الجليل... هذه الأعياد التي تطل علينا ونحن في قمة الشوق لكي نعيشها ونتمتع بها... فاليوم صار لنا خلاصًا وعتقًا من العبودية المرة التي طالت على البشرية... فبعصياننا صرنا مطرودين من الفردوس ومن الحضرة الإلهية وحُكم علينا بالموت الأبدي... وبإتيان الابن الوحيد بالجسد إلى أرضنا... أرض الشقاء والمزلة... أخذ صورة العبد صائرًا في صورة إنسانًا...
 
رفع الحكم عنا... نحن الذين صرنا مدينون للعدل الإلهي بذنوبنا وهو الذي دفع الديون عنا... من أجلنا فضل الشقاء على الراحة والهوان على المجد... والصليب على العرش الذي يحمله الكاروبيم...
 
* فاليوم الذي ولد فيه السيد المسيح مخلص العالم صار عيدًا للبشرية كلها منذ آدم إلى آخر الدهور فهو الذي تحققت فيه النبوة [هوذا الرجل الغصن أسمه ومن مكانه ينبت] (زك12:6).
 
* لقد صار الابن الوحيد لأبيه إنسانًا وأصبح له أسم بين بنى البشر فسمى من الملاك يسوع.
 
* وقد تأمل القديس ساويرس الأنطاكي في ميلاده العجيب المعجزي فقال [إذا أراد ملك أن يذهب إلى مدينة صغيرة غير معروفة وعاجزة تمامًا عن احتمال مجيئه، فإنه يجعل نفسه متخفيًا ويزيل عظمة مظهره ومجده الذي يحيط به لكي يصير محتملًا من هذه المدينة ولكنه رغم ذلك لا يستطيع إلا أن يدخل كملك متنازلًا بصفة عامة عن مظاهر رتبته، هكذا أيضًا ابن الله، كلمة الآب غير المدرك،
 
الأبدي أراد أن يأتي في صورة بشرية في هذا العالم، تواضع في مجده الأبدي وجاء إلى الإهانة البشرية... ففي ذلك فعلًا أخلى ذاته وأصبح ممكنًا الوصول إليه وبأسلوب لا مثيل له وبطريقة خاصة تسمو على كل الطرق الأخرى دخل إلى عالمنا من باب إلهى ملكي يعنى من البتولية، بميلاده في الجسد من الروح القدس ومن العذراء والدة الإله].
 
* إن هذا السر يفوق كل عقل بشرى وأيضًا كل إدراك البشر جميعًا ذلك السر هو حلول الله في بطن السيدة العذراء وهذا الذي أفصح عنه رئيس الملائكة غبريال حينما بشر السيدة العذراء بالحبل الإلهي العجيب مخاطبًا إياها قائلًا [الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يدعى ابن الله] (لو35:1) ثم أظهر لنا الملاك سمو هذه الفتاه العذراء في كلماته التي خاطبها بها قائلًا لها [لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الله] (لو26:1-35).
 
* ولقد تأمل الآباء وحلقوا بأذهانهم في سماء تلك النعمة [وجدت نعمة] ليدركوا بفهمهم السامي هذه السحابة الخفيفة التي حملت الله الكلمة  في بطنها باتضاع يفوق الوصف ولكنهم مع ذلك لم يستطيعوا بالرغم من درجتهم الروحية العالية وقداستهم وبرهم أن يصلوا إلى الفهم الكلى لهذه النعمة بل وقفوا عند الأبواب ولم يستطيعوا أن يدخلوا إلى مخازن الأسرار لضعف الفهم البشرى وقصوره عن إدراك هذه المكنونات وهذه الشخصية العجيبة آلا وهي العذراء مريم... لذلك قال القديس ساويرس الأنطاكي حينما تحدث عن العذراء مريم [حينما أريد أنظر إلى العذراء والدة الإله...
 
يبدو أن صوتًا يأتي إلىّ صارخًا في أذني... لا تقترب إلى ههنا، أخلع حذاءك من رجليك، لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة] وهذا بالفعل ما قيل لموسى النبي في (خر5:3) في نظرة إلى العليقة التي كانت تشير إلى تجسد الابن الوحيد وميلاده من عذراء بتول لا تعرف رجلًا.
 
* وقد تألقت ثيؤطوكيات التسبحة اليومية التي نصليها في وصف هذه المعاني السامية فنجدها تمدح وتصف هذا السر العجيب بـ [أم النوم الذي أشرق منها شمس البر... السماء الثانية التي سكن فيها الله... العذراء الحمامة الحسنة. العفيفة الهادئة الوديعة... كل عجينة البشرية أعطتها العذراء لله الخالق... آدم فيما هو حزين القلب سر الرب أن يرده إلى رئاسته أشرق جسديًا من العذراء بغير زرع بشر حتى خلصنا...]
 
* وستظل البشرية كلها عائشة في دهشة وانبهار وإعجاب أمام هذا السر الإلهي والميلاد المعجزي العجيب وهذه الأعجوبة الفريدة التي لن تتكرر حتى المجيء الثاني آلا وهي عذراء تحبل... عذراء تلد... عذراء بعد الولادة... عذراء حتى النياحة [وبتوليتها مختومة – قسمة صوم الميلاد].
 
* تلك هي مريم العذراء الدائمة البتولية التي ولدت لنا الله الكلمة بسر يفوق العقل البشرى فالله غير المحدود المالئ الكل صار مولودًا من عذراء (غل4:4).
* أما هذه العفيفة فظلت في اتضاعها ووداعتها تخفى كل هذه الأمور متفكرة بها في قلبها ونحن أمام هذا السر الإلهي العجيب والاتضاع الفريد لا نملك إلا أن ننحني أمامها طالبين شفاعتها ومسبحين إياها بصوت مملوء بالمحبة والافتخار قائلين [السلام لك يا مريم... السلام لمعمل الاتحاد الذي أتحد فيه اللاهوت بالناسوت...].