أحمد خير الله
تنتشر الكراهية بين البشر لأسباب متعددة ومعقدة، وغالبًا ما تتفاقم عندما ترتبط بـ(قضايا عقائدية أو معتقدات راسخة). إليك بعض الأسباب الشائعة:

١- الخوف من الآخر: غالبًا ما تولد الاختلافات الثقافية والدينية والاجتماعية شعورًا بالخوف من المجهول ومن "الآخر". هذا الخوف قد يتحول إلى كراهية عندما يتم تعزيزه بأفكار نمطية سلبية.

٢- الحاجة إلى الانتماء: الإنسان بطبيعته كائن اجتماعي يبحث عن الانتماء إلى مجموعة. قد يتم تكوين هذه المجموعات بناءً على هويات مشتركة (دينية، عرقية، وطنية...)، مما قد يؤدي إلى الشعور بأن "الآخر" يشكل تهديدًا على هذا الانتماء.

٣- التعصب الأعمى: قد يؤدي التمسك بأفكار ومبادئ معينة دون تقبل الرأي الآخر إلى تعصب أعمى. هذا التعصب يدفع الأفراد إلى تبرير الكراهية ضد أي شخص لا يتفق معهم.

٤- السياسات الاستقطابية: غالبًا ما يستخدم السياسيون القضايا الخلافية (الدينية، العرقية...) لتحقيق مكاسب سياسية، مما يؤدي إلى زيادة التوترات والانقسامات الاجتماعية.

٥- وسائل الإعلام: تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام ونشر الأفكار. قد تساهم بعض وسائل الإعلام في نشر خطاب الكراهية والتحريض على العنف.

أما عن تأثير الاعتقاد بـ "عدالة القضية":
عندما يعتقد الأفراد بـ "عدالة قضية" ما، فإنهم يميلون إلى تبرير أي عمل يقومون به باسم هذه القضية، حتى لو كان هذا العمل يتضمن الكراهية والعنف. هذا الاعتقاد يعطيهم شعورًا بالأحقية ويجعلهم مقتنعين بأنهم يدافعون عن الحق.

بالتأكيد، هناك صلة وثيقة بين انتشار الكراهية والشعور بالشماتة.

عندما ينتشر جو من الكراهية بين الأفراد أو الجماعات، فإنه يخلق بيئة تسمح بالشعور بالشماتة.

يمكن رصد بعض الأسباب التي تربط بينهما:
١- تبرير السلوك السلبي: قد يستخدم الأشخاص الذين يشعرون بالكراهية تجاه الآخرين الشعور بالشماتة لتبرير سلوكهم السلبي. فهم يرون أن معاناة الآخرين هي نتيجة طبيعية لأفعالهم أو معتقداتهم، مما يعزز لديهم الشعور بالرضا عن النفس.

٢- تقوية الهوية الجماعية: الشعور بالشماتة قد يعزز الهوية الجماعية لدى الأفراد الذين يشتركون في نفس الكراهية. فبالمشاركة في هذا الشعور، يشعرون بأنهم ينتمون إلى مجموعة معينة ويتقاسمون قيمًا مشتركة.

٣- تخفيف الشعور بالاضطهاد: قد يلجأ الأشخاص الذين يشعرون بالاضطهاد أو المظلومية إلى الشعور بالشماتة تجاه الآخرين كآلية دفاعية. فهم يرون أن معاناة الآخرين تخفف من معاناتهم الخاصة وتجعلهم يشعرون بتوازن معين.

٤- التأثير الاجتماعي: قد يتأثر الأفراد بالبيئة الاجتماعية المحيطة بهم ويعتمدون سلوكيات الآخرين. إذا كان الشعور بالشماتة سائدًا في المجتمع، فمن المحتمل أن يقلده الأفراد الآخرون.

إن ثمة علاقة وثيقة بين قوة أو ضعف المجتمعات وانتشار ظواهر مثل الكراهية والشماتة والعنف.

في المجتمعات القوية والمتماسكة:
* تقل حدة هذه الظواهر: غالبًا ما تتميز هذه المجتمعات بروح التعاون والتضامن، حيث يشعر الأفراد بالانتماء والمسؤولية تجاه بعضهم البعض. هذا الشعور بالانتماء يقلل من فرص نشوء الكراهية والعنف، ويؤدي إلى تعزيز قيم التسامح والاحترام المتبادل.

* توجد آليات فعالة للتعامل مع الخلافات: توجد في هذه المجتمعات قنوات واضحة لحل النزاعات والتعبير عن الآراء المختلفة بشكل سلمي. هذا يساعد على تجنب التصعيد واللجوء إلى العنف.

* تُعزز القيم الإيجابية: يتم غرس القيم الإيجابية مثل العدل والمساواة والرحمة في نفوس الأفراد منذ الصغر، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر سلامًا وتسامحًا.
أما المجتمعات الضعيفة:

* تنتشر هذه الظواهر: غالبًا ما تعاني هذه المجتمعات من مشاكل اقتصادية واجتماعية، مما يؤدي إلى زيادة التوتر والاحتقان بين الأفراد والجماعات. هذا التوتر يسهل انتشار الكراهية والعنف.

* تضعف آليات التماسك الاجتماعي: في هذه المجتمعات، تضعف الروابط الاجتماعية وتقل الثقة بين الأفراد. هذا الضعف يجعل من الصعب حل الخلافات بشكل سلمي ويؤدي إلى تصعيدها.

* تنتشر الأفكار المتطرفة: غالبًا ما تستغل الجماعات المتطرفة ضعف هذه المجتمعات لنشر أفكارها المتطرفة والتحريضية، مما يساهم في زيادة التطرف والعنف.

أسباب العلاقة بين قوة المجتمع وانتشار هذه الظواهر:
* الشعور بالظلم: عندما يشعر الأفراد بالظلم أو الحرمان، فإنهم يميلون إلى توجيه غضبهم نحو الآخرين، مما يؤدي إلى زيادة الكراهية والعنف.

* الخوف من المستقبل: في ظل عدم الاستقرار والشك في المستقبل، يميل الأفراد إلى التشبث بهويتهم الجماعية والبحث عن أعداء خارجيين، مما يعزز الشعور بالكراهية تجاه الآخرين.

* ضعف المؤسسات: عندما تكون المؤسسات الحكومية والاجتماعية ضعيفة وغير قادرة على تلبية احتياجات المواطنين، فإن ذلك يؤدي إلى فقدان الثقة في النظام وزيادة الاحتقان.

ملاحظات:
* الشعور بالقوة: لا يعني أن المجتمع القوي خالٍ تمامًا من هذه الظواهر، ولكنها تكون أقل انتشارًا وأشد تحكمًا.

* الضعف النسبي: قد يكون المجتمع قويًا في بعض الجوانب وضعيفًا في جوانب أخرى، وهذا يؤثر على مستوى انتشار هذه الظواهر.

* العوامل المتعددة: هناك العديد من العوامل الأخرى التي تؤثر على انتشار هذه الظواهر، مثل الثقافة والتاريخ والسياسات الحكومية.

ولكن هل نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الظواهر الخطيرة؟ الاجابة بالطبع لا! فيمكن العمل من أجل الحد من انتشار الكراهية من خلال:
* الحوار والتفاهم: تشجيع الحوار المفتوح والصادق بين مختلف الأطراف.
* التعليم والتوعية: نشر ثقافة التسامح والاحترام للآخر.
* مكافحة الخطاب التحريضي: محاربة الخطاب الذي يحرض على الكراهية والعنف.
* بناء مجتمعات شاملة: خلق مجتمعات تتقبل التنوع وتشجيع التعايش السلمي.

ختامًا:
إن القضاء على الكراهية بين البشر يتطلب جهدًا مستمرًا من الجميع. يجب علينا جميعًا أن نعمل على بناء عالم أكثر تسامحًا واحترامًا للآخر.
إن بناء مجتمعات قوية ومتماسكة هو الحل الأمثل لمواجهة مشاكل الكراهية والعنف والشماتة. هذا يتطلب جهودًا مشتركة من الحكومات والمجتمع المدني والأفراد، والعمل على تعزيز القيم الإيجابية وبناء مجتمعات عادلة ومتساوية.