تونى مرقس
على مدار الأيام الماضية، منذ اندلاع حرائق الغابات في جنوب كاليفورنيا ومنطقة لوس أنجلوس، طفحت علينا العديد من المنشورات والتعليقات من بعض الأشخاص ذوي الخلفيات العربية والإسلامية، تحمل في طياتها سواد الشماتة والغل والبُغضة. هذه التعليقات تعبر عن فرحٍ غريب، وكأن ما أصاب جنوب كاليفورنيا هو غضب إلهي أو انتقام سماوي، وكأن السماء تقاتل لتمنحهم نصرًا افتقدوه في واقعهم.
بنفس المنطق، تعالوا على سبيل المثال لا الحصر نراجع بعض الكوارث الطبيعية الكبرى التي حدثت في السنوات الأخيرة:
زلزال تركيا وسوريا 2023:
بلغ عدد الوفيات حوالي 50,000 شخص، إضافة إلى آلاف المصابين. وتم تدمير 214,000 مبنى، وتشريد ونزوح أكثر من 3,300,000 شخص.
فيضانات وسيول ليبيا 2023:
عدد الوفيات تجاوز 11,000 شخص، بينما بلغ عدد المفقودين حوالي 20,000 شخص، بين من جرفتهم السيول إلى البحر ومن دفنوا تحت المباني التي سوتها المياه بالأرض ولم يتم انتشالهم بعد. وتم تدمير 18,500 وحدة سكنية بالكامل.
زلزال المغرب 2023:
عدد الوفيات وصل إلى حوالي 3,000 شخص، وأكثر من 5,000 مصاب. والخسائر المادية تضمنت تدمير آلاف المنازل وتسوية أحياء بأكملها بالأرض.
تسونامي المحيط الهندي 2004:
في إندونيسيا وحدها، بلغ العدد التقديري للوفيات والمفقودين حوالي 50,000 شخص، إلى جانب الخسائر المادية الفادحة.
وفي المقابل، دعونا ننظر إلى حرائق كاليفورنيا الحالية:
عدد الضحايا حتى الآن هو 24 شخصًا فقط، أي أقل من عدد ضحايا حادث سير لأتوبيس في مصر! والمباني المتضررة بلغت 12,000 مبنًا، وجميعها ستغطيها تعويضات الحكومة وشركات التأمين.
لو أردنا أن نحكم وفق نفس روح الحقد والشماتة، فما الذي سيراه الشامتون لو قارنوا حرائق كاليفورنيا بالكوارث المذكورة أعلاه؟ هل سيَرون الغضب والانتقام الإلهي حاضرين في تلك الكوارث التي حلت في بلادهم؟! أم سيقنعون أنفسهم أن هذه الكوارث مجرد ابتلاءات وليست انتقام؟! فأصبح الله يتشكل على حسب رغبتهم كصنم من العجوة، يشكلوه كما تهوى أنفسهم المريضة.
نقطة أخيرة، في الكوارث اللي ذكرتُها عاليا كانت أكبر مساعدات مادية وتقنية لتلك البلاد مقدَمة من الولايات المتحدة الأمريكية التي يشمتون الآن في شعبها!
الشماتة ليست سلوكًا يعبر عن إنسانية أو تدَيُّن. فمن يشمت في مصائب الآخرين يحتاج أن يتأدب أولًا، ثم يبحث عن إنسانيته المفقودة حتى يُشفَى من أحقاده. الكوارث ليست فرصة لإظهار الكراهية والشماتة، بل هي درس نتعلم منه إظهار التعاطف والمحبة وتقديم العون للآخرين.