أحمد خير الله
تبسيط لغة العلم والخطاب الشعبوي قد يبدو عليهما التشابه في بعض الأحيان، حيث كلاهما يسعى إلى توصيل أفكار معقدة بطريقة أسهل. ولكن هناك فرق جوهري بينهما:
تبسيط لغة العلم
حيث أن الهدف منها نقل المعرفة العلمية بدقة ووضوح إلى جمهور أوسع، مع الحفاظ على جوهر الفكرة العلمية.
وفي سبيل ذلك تستخدم أمثلة واقعية، وشروحات مبسطة، وتجنب المصطلحات التقنية المعقدة قدر الإمكان.
مستندة إلى مبدأ الحفاظ على الدقة العلمية، وتجنب التضليل أو التبسيط الزائد الذي يؤدي إلى تشويه المعنى.
أما الخطاب الشعبوي
فيهدف إلى التأثير على عواطف الجمهور، وحشد الدعم لأفكار أو سياسات معينة، بغض النظر عن مدى دقتها العلمية.
مستغلا استخدام لغة عاطفية، وتبسيط مفرط للقضايا، وتعميم الأحكام، والتلاعب بالمشاعر.
ويقوم في ذلك على مبدأ تحقيق هدف سياسي أو اجتماعي، حتى لو كان ذلك على حساب الحقيقة أو المنطق.
باختصار:
مثال:
* تبسيط لغة العلم: "تغير المناخ هو عملية ارتفاع متوسط درجة حرارة سطح الأرض والمحيطات، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى زيادة تركيز غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي."
* الخطاب الشعبوي: "كوكبنا يموت بسبب التلوث، ونحن بحاجة إلى حماية البيئة بأي ثمن!"
الخلاصة:
ما يوضح أن تبسيط لغة العلم هو أداة قيمة لنشر المعرفة العلمية وتوعية المجتمع.
أما الخطاب الشعبوي قد يكون جذابًا، ولكنه قد يؤدي إلى انتشار المعلومات المضللة واتخاذ قرارات غير مدروسة.
ما ينشأ عنه ملاحظة هامة أنه من المهم التمييز بين هذين الأسلوبين، وأن نكون قادرين على تقييم المعلومات بشكل نقدي، والاعتماد على المصادر الموثوقة.
عادة ما يكون الخطاب الشعبوي أكثر انتشارًا في المجتمعات المتخلفة مقارنة بلغة العلم.
لماذا!؟
* التعليم: غالبًا ما تكون معدلات التعليم منخفضة في هذه المجتمعات، مما يجعل فهم المفاهيم العلمية المعقدة أمرًا صعبًا على الكثيرين.
* الظروف المعيشية: التركيز على تلبية الاحتياجات الأساسية للحياة اليومية (كالطعام والمأوى) يجعل الناس أقل اهتمامًا بالعلوم النظرية.
* الوسائل الإعلامية: غالبًا ما تكون وسائل الإعلام في هذه المجتمعات مملوكة لأقلية وتستخدم لأغراض سياسية، مما يؤدي إلى انتشار الأخبار الكاذبة والشائعات والخطاب الشعبوي.
* الثقافة: الثقافات التقليدية قد تعطي الأولوية للتقاليد والعادات على العقلانية والتفكير النقدي، مما يجعل الناس أكثر استعدادًا لقبول الأفكار المبسطة والعاطفية.
أسباب انتشار الخطاب الشعبوي:
* البساطة: الخطاب الشعبوي يقدم حلولًا بسيطة لمشاكل معقدة، مما يجذب الكثيرين.
* العاطفة: يستهدف الخطاب الشعبوي العواطف بدلًا من العقل، مما يجعله أكثر تأثيرًا.
* التحريض: يستغل الخطاب الشعبوي المخاوف والغضب الشعبي لتحقيق مكاسب سياسية.
وهو ما يقودنا إلى حقيقة أن غالبًا ما تكون الأنظمة السلطوية في عداء ضمني مع لغة العلم.
قد يبدو هذا الأمر غريبًا للوهلة الأولى، لكن هناك أسباب عديدة تدعم هذه العلاقة المتوترة:
* الخوف من المعرفة: الأنظمة السلطوية تخشى من أن توعية الشعب بالعلم والمعرفة قد يؤدي إلى زيادة الوعي بحقوقه، وبالتالي زيادة الضغط عليها للمزيد من الشفافية والمساءلة.
* التحكم في الرواية: تفضل هذه الأنظمة رواية واحدة للحقيقة، وهي روايتهم هم. العلم، بدوره، يعتمد على الأدلة والبراهين، مما قد يتعارض مع الرواية الرسمية.
* تقييد الحريات الأكاديمية: تفرض الأنظمة السلطوية قيودًا على الحريات الأكاديمية، وتراقب البحوث العلمية، وتمنع نشر أي شيء يعتبر تهديدًا لاستقرار النظام.
* تفضيل الخطاب الشعبوي: تعتمد هذه الأنظمة بشكل كبير على الخطاب الشعبوي والعاطفي، والذي يعتمد على تبسيط القضايا وتقديم حلول جاهزة، بدلاً من التحليل العلمي العميق.
* الاستثمار في التخلف: في بعض الحالات، قد تستفيد الأنظمة السلطوية من تخلف المجتمعات، حيث يسهل التحكم في الناس عندما يكونون غير مدركين لحقوقهم أو قدراتهم.
أمثلة على ذلك:
* تدريس النظريات التطورية: في بعض الدول، يتم حظر تدريس نظرية التطور في المدارس، لأنها تتعارض مع بعض المعتقدات الدينية التي تستخدمها الأنظمة لتبرير سلطتها.
* تقييد الوصول إلى المعلومات: تفرض العديد من الأنظمة السلطوية قيودًا على الإنترنت ووسائل الإعلام، لمنع المواطنين من الوصول إلى المعلومات العلمية والمعرفة.
* تشويه سمعة العلماء: يتم تشويه سمعة العلماء والباحثين الذين يعبرون عن آراء تتعارض مع الرواية الرسمية.
في النهاية، العلاقة بين الأنظمة السلطوية ولغة العلم هي علاقة تناقض، حيث أن الأولى تسعى إلى السيطرة على المعلومات وتوجيه الأفكار، بينما تسعى الثانية إلى نشر المعرفة والتحرر من القيود.
من ثم فإن نشر لغة العلم له بالغ الأهمية:
* التنمية: نشر لغة العلم يساعد على بناء مجتمعات أكثر وعياً وقدرة على حل المشكلات.
* مكافحة الجهل: يساهم في مكافحة الخرافات والأوهام المنتشرة في المجتمعات المتخلفة.
* التطور: يشجع على الابتكار والتقدم في مختلف المجالات.
ختامًا:
على الرغم من التحديات، فإن نشر لغة العلم في المجتمعات المتخلفة أمر ضروري لتحقيق التنمية المستدامة. يتطلب ذلك جهودًا مشتركة من الحكومات والمنظمات الدولية والعلماء والمواطنين.