عادل نعمان
ولو كان الدعاء '> الدعاء على عباد الله أو الدعاء '> الدعاء لهم مستجاب على قدر استحسان المؤمنين، لكانت الدنيا كما قالوا بين فسطاطين مؤمن سليم وكافر سقيم، ولو كانت المحن والكوارث والمصائب عقوبة المذنبين ما أصابنا منها سهم واحد وكان حظنا منها قليلا ويسيرا، إلا أنها تلف وتحط على بلاد المسلمين أضعاف ابتلاء غيرهم، ولو كانت الأرزاق على قدر الورع والتقوى والقرب لكان كل الخلق على أبوابنا يسألون الحاجة ليل نهار وليس العكس. فليست حرائق كاليفورنيا انتقاما إلهيا أو عقوبة لتفشى المثلية الجنسية كما يدعون، وإلا ماذا عن الدمار والهلاك والحرائق التى ابتلعت غزة وتشريد أهلها وجوع أطفالها؟ فقد كان الأحق والأرحم أن تنزل الصاعقة على القاتل وليس الانتقام من غيره، فإن الله لم يخلق عبادة ليتشفى بعضهم فى بعض أو يفرح بعضهم فى مصائب البعض، لقد خلقهم الله على المحبة والسلام.
والشامتون فى حريق مدينة لوس أنجلوس (ولاية كاليفورنيا) قد غاب عنهم أن خمسمائة ألف مسلم يعيشون جنبا إلى جنب مع الجنسيات والديانات الأخرى، وأن آلاف المبانى والقصور التى دمرت واحترقت لمشاهير هوليوود لم تفلت منها بيوت المسلمين، سواء البسطاء منهم أو الأغنياء حين كانت كلها فى مجال النيران، والمليارات التى خسرتها الولاية وأحرقتها النيران لهم فيها أيضا نصيب إن لم يكن أوجعه، والكنائس والمعابد التى احترقت تجاورها فى المدينة عشرات المساجد أتت على بعضها النيران وقد كانت بيوت لله تقام فيها الصلوات ويذكر فيها اسم الله كثيرا، وأحرقت النيران مسجد التقوى كما احترقت الكنيسة المجاورة ومعهما أعرق كنيس يهودى فى كاليفورنيا، لا شىء فى المدينة آمن على الجميع، مئات الآلاف يتركون بيوتهم ويهربون إلى الشوارع، لا فرق بين تقى ورع وعربيد شاذ، مسلم وهندوسى، الكل يحمل أحزانه وأولاده ويرحل سيرا على الأقدام، فلم تتتبع النيران فى طريقها المؤمنين فتحيد عنهم ولا تحسست أنفاس العصاة فتصب عليهم غضبها ونيرانها، ويتقاسمهم جميعا الموت.
ثم إذا كان المثل (لا تعايرنى ولا أعايرك الهم طايلنى وطايلك) فلماذا هذا التشفى فى خلق الله وقد كانت الجنازات الحارة فى بيوتنا آثارها قائمة ومنصوبة لليوم والغد، فما استعرضنا تاريخنا إلا وكانت الكوارث تملأ صفحاته وتطفح، وقد كانت وما زالت تملأ ديارنا ولا تمل ولا تهدأ ولا تستريح، فى ليبيا حين انهار سد درنة (سبتمبر 2023) ودمرت الفيضانات المدينة وكان ضحاياها بالآلاف ويصنف هذا الحدث بأنه أخطر انهيار لسد فى التاريخ لم يشمت فينا أحد، وكارثة الكوارث التى راح ضحيتها شعب بأكمله ووطن بحدوده وتاريخ بتمامه وكماله فى غزة تعاطفت معهم الشعوب واندلعت المظاهرات فى دول العالم حتى الجامعات الأمريكية ولم يشمت فينا أحد، حتى كارثة منى والتى تدافع فيها الحجيج وتراكمت جثث أربعة الآف حاج فى الشوارع لم نشم رائحة الغل والتشفى على هذا النحو الذى نراه.
الكوارث الطبيعية لها أسبابها الخاصة معصوبة العينين، تجرف فى طريقها من كانت وجهته إلى صلاة أو وجهته إلى معصية يرتكبها، وليست امتحانا للمؤمنين الصابرين إن نزلت ديارهم، أو انتقاما إن كانت فى ديار غيرهم، وليس الأمر تنكيلا من الله لشعوب أفسد حكامها وطغوا وبغوا فى الأرض، فإن حكامهم أولى بالقصاص والعقاب وليست الشعوب، ولسنا بمعزل عن العالم فإن فنى وهلك كنا من السابقين الأولين، ولا يغرنك حديث الهواة فلا دخل للمواطن فى هذه البلاد بما يصنعه حكامهم أو تدبره سياسة أنظمتهم، لو تفحصت الوجوه ستجد أن العالم كله أصبح فى واحد، فلا تخلوا مدينة من مدن الأرض من أشقاء فى الدين والوطن فإذا أصاب غيرهم مصيبة أو كارثة لن تتركهم وحالهم، فلندع للجميع بالسلامة والخير هكذا تعلمنا ولا ننسى.
وأود أن أخبركم أن الإعصار الذى ضرب فلوريد من مدة وجيزة وشمت فيه الشامتون وفرح فى المصيبة الفرحون، قد أزيلت آثاره كاملة وعادت كل قطرات المياه إلى مجاريها آمنة مطمئنة ويأتيها رزقها رغدا كما كان وأكثر، وكذلك إعصار تسونامى الذى ضرب اليابان وكذلك البيت الحرام، أما كاليفورنيا ولوس أنجلوس وناسا وكل قصور الأغنياء وبيوت القمار والملاهى والشركات والمراكز العلمية والمستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والمعابد والكنائس ومراكز الإيواء والسجون ستعود كلها قريبا سيرتها الأولى، ويعود العابد إلى معبده والمقامر إلى مائدة القمار والشامتون إلى سخطهم وشماتتهم فى بلد آخر يبثون أوجاعهم ويشفون صدورهم بمصائب وكوارث أخرى، أما نحن المسالمون ندعو بالسلامة لكل خلق الله.
«الدولة المدنية هى الحل»
نقلا عن المصرى اليوم
