د. أشرف ناجح إبراهيم عبد الملاك
لقد صدر عن "المركز الثّقافيّ الفرنسيسكانيّ" كتابٌ جديدٌ، وسيكون في "معرض القاهرة الدّولى للكِتاب 2025م"، الذي سيُقام خلال الفترة من 23 يناير/كانون الثّاني وحتى 5 فبراير/شباط المقبل. وهذا الكِتاب باكورةُ أعمالي في التّراث العربيّ المسيحيّ (لا سيّما "الكُتّاب الأقباط"). وهو عبارة عن نشرة نقديّة (تحقيق نصّ) للمقدّمة الخريستولوجيّة الواردة في مخطوطات مؤلَّف المكين الصَّغير المعروف باسم «مُخْتَصَر الْبَيَانِ فِي تَحْقِيقِ الْإِيمَانِ»، أو «الحاوي المستفاد»، مع عرضٍ موجز لمحتواه الخريستولوجيّ.
وتكمن أهمّيّةُ هذا التّحقيق لنصّ المكين الصَّغير في أنّه يجمع –ولأوّل مرّة على الإطلاق– بين أقدم مخطوطات المصنَّف من مِصْر وخارجها. وهو أيضًا بمثابة النّشرة العلميّة الأولى للمقدّمة الخريستولوجيّة للمكين الصَّغير. وقد اتّبعتُ المنهج المتعارف عليه في تحقيق النّصوص القديمة، وكان هذا تحت إشراف وتوجيه الأب البروفيسور سمير خليل اليسوعيّ. ووضعتُ للنّص المحقَّق عناوين رئيسة وفرعيّة؛ وقسّمتُه إلى فقرات وجُمل قصيرة، وأعطيتُ لها ترقيمًا متسلّسلاً.
ولتقديم نَصَّ التّحقيق المنشور، قد تناولتُ في بادِئ الأمر بضعةَ جوانب قد تساعد القَارِئ الكريم –حتّى وإنْ لم يكن من أهل الاختصاص– في استقبالٍ وفهم جيّدَيْن للنّصّ المنشور. وهذه الجوانب هي التّالية: مَن هو مؤلِّف النَّصّ المنشور؟ ما هي المخطوطات التي اعتمد عليها التّحقيق؟ ما هي الخطوط العريضة للمحتوى الخريستولوجيّ (أو الكريستولوجيّ) للنَّصّ؟ ما هي منهجيّة التّحقيق؟
ليس لدينا أخبارٌ ومعلومات كثيرة عن المكين الصَّغير "الثّيولوجيّ"، مؤلِّف النَّصّ المنشور. وبإيجازٍ مُفرط، هذا هو أغلب ما نعرفه عنه حتّى الآن: قد عاش ما بين القرنَيْن الثّالث عشر والرّابع عشر الميلاديَّيْن، وكتب فيهما؛ وعاصر دَولَة المَمَالِيك (1250-1517م). وهو أخو الأسعد إبراهيم، كاتب الجيوش المصريّة. وكان طبيبًا وقسًّا وراهبًا متوحِّدًا، وملِمًّا باللّغات القبطيّة واليونانيّة والعربيّة، كما يتّضح من مخطوطات النّصّ التي طالعها الباحث أيضًا.
وعلى نحوٍ عامّ، يدحض المؤلِّف المكين الصَّغير أراء طائِفَتَيْن قد ظهرتا في زمانه، وأطلق عليهما: طَائِفَة التَّفْرِيط وطَائِفَة الْإِفْرَاط. فيردُّ على "طَائِفَة التَّفْرِيط" النَّاكِرة لإِلٰهِيَّةِ الْمَسِيح على غرار هرطقة "آرْيُوس"، ويَعُدّهم مقصّرين جدًّا في اعترافهم بلاهوت رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيح، ويثبت لهم إِلٰهِيَّته التّامّة والكاملة. وكذلك يردّ أيضًا على "طَائِفَة الْإِفْرَاط" القَائِلة بأنَّ النَّاسُوتَ، الْمُتَّخَذَ مِن الطَّبِيعَة الْمَرْيَمِيَّة، لَا يُقَالُ فِيهِ بَعْدَ الِاتِّحَادِ إِنَّهُ مُحْدَثٌ وَلَا مَخْلُوقٌ؛ فيَعُدّهم مبالغين جدًّا في اعترافهم بلاهوت السّيّد الْمَسِيح، ومنكرين لحقيقة النَّاسوت ومحدثيّته وخلقته ومخلوقيّته. ولذا، فهم منكرون لحقيقة التَّجَسُّد الممجَّد أيضًا؛ ومن ثمّ يثبت لهم إِنْسَانِيَّة رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيح التّامّة والكاملة. فمن جهة يؤكّد المكين الصَّغير أنّ إِلٰهَيَّةَ يَسُوعَ الْمَسِيحِ "لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهَا حَتَّى وَلَا الشَّيَاطِينُ"؛ ومن جهة أخرى يثبت عدم "اسْتِحَالَةِ النَّاسُوتِ إِلَى اللَّاهُوتِ".
وأُهْدِي هذا العمل –بامتنانٍ شديد– إلى الأب سمير خليل اليسوعيّ، فهو مَن اقترح عليَّ تحقيق هذا النّصّ في عام 2011م، وقد أعطاني الدّروس الأولى –بطريقة مباشرة وعن قرب– في كيفيّة تحقيق نصوص التّراث العربيّ المسيحيّ.