هاني لبيب
شهدنا خلال اليومين الماضيين.. توقيع صفقة تاريخية بين حركة حماس وإسرائيل، تضمنت وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، فى خطوة أثارت اهتماماً بالغاً بسبب حساسية توقيتها السياسى. وليس من قبيل الصدف، أن تزامن إتمام الصفقة مع بدء العد التنازلى لتولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، مما أثار تساؤلات حول العلاقة بين الحدثين والدور الذى لعبه الشركاء الإقليميون والدوليون فى إنجاح هذا الاتفاق.

منذ الإعلان عن فوزه ترامب بالرئاسة، وهو يعرب عن رغبته فى إعادة صياغة الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط. وقد جاءت هذه الصفقة لتوفر فرصة مبكرة لإظهار قدرة إدارته على التأثير الإيجابى. وكان من الواضح، مشاركة مبعوثين دوليين مثل ستيفن ويتكوف «مبعوث ترامب الخاص» الذى قام بدوراً كبيراً فى الوساطة بين الأطراف. كما تلقى دعمه من جاريد كوشنر.. صهر ترامب ومستشاره، الذى نجح من قبل فى تعزيز علاقات إسرائيل مع عدة دول عربية من خلال الاتفاقيات الإبراهيمية. فضلًا عن ورود العديد من التقارير التى أكدت وجود اتصالات مكثفة بين فريق ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لدفع الصفقة قبل تولى ترامب منصبه.. تأكيدًا على نواياه تجاه الاستقرار الإقليمى.

لم يكن للولايات المتحدة الأمريكية وحدها الفضل فى الوصول إلى هذا الاتفاق. فقد لعبت دول إقليمية دور الشريك والوسيط الفعال بين الأطراف. مصر هى الشريك التقليدى فى الصراع الفلسطينى – الإسرائيلى.. التى لديها القدرة على تنسيق المفاوضات وإيجاد حلول وسط تضمن قبول جميع الأطراف. فهى الصوت العربى المحايد فى الاتفاق.. مما زاد من مصداقيتها وتأثيرها فى معادلة السلام. وتعتبر قطر جهة أساسية فى تقديم الدعم المالى واللوجستى لقطاع غزة، وقد ساعدت فى تسهيل الاتصالات بين حماس وإسرائيل. وقدمت ضمانات لتحسين الوضع الإنسانى فى غزة كجزء من شروط الاتفاق.

دون أدنى شك، إتمام الصفقة فى هذا التوقيت يخدم بشكل كبير المصالح السياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو.. سواء بتأمين العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة، أو بمنحه دعمًا إضافياً بعد تنفيذ صفقة تبادل الأسرى وتهدئة الأوضاع. وهو ما سيمنحه القدرة على مواجهة الضغوط والانتقادات الداخلية المتعلقة بإدارته لأزمة غزة.

تتباين ردود الأفعال على الصفقة. فى فلسطين.. اعتبرها البعض انتصارًا بعد التمكن من الإفراج عن مئات الأسرى الفلسطينيين. كما أثارت لدى البعض الآخر تساؤلات حول تأثيرها على الوضع الإنسانى والاقتصادى فى غزة. أما فى إسرائيل، فاعتبر المؤيدون الصفقة خطوة إيجابية لإعادة الرهائن وتعزيز الأمن. بينما رأى المعارضون أنها تعطى حماس مكاسب غير مستحقة.. لدرجة انتقاد بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلى، الصفقة، وهدد بالاستقالة.

تحليل توقيت الصفقة وطبيعتها، يؤكد أن هناك تنسيقًا بين الأطراف الإقليمية وإدارة ترامب لضمان تحقيق أهدافه الاستراتيجية سواء بدعم النفوذ الأمريكى بعد أن وفرت الصفقة فرصة لترامب لإبراز دور الولايات المتحدة الأمريكية كوسيط قوى، مما قد يعزز موقفها فى ملفات شائكة مثل التطبيع العربى الإسرائيلى والملف الإيرانى.

المتوقع خلال ولاية ترامب الجديدة هو زيادة نطاق اتفاقيات التطبيع من خلال تشجيع دول عربية أخرى على الانخراط فى مفاوضات مماثلة، استكمالًا لمسار اتفاقيات إبراهام. والمتوقع أيضًا، تعزيز التنسيق مع مصر وقطر كحلفاء استراتيجيين فى المنطقة كانعكاس لتوجهات أمريكية جديدة نحو بناء شراكات أوسع.

نقطة ومن أول السطر..
الصفقة الأخيرة بين حماس وإسرائيل ليست مجرد اتفاق لوقف القتال وتبادل الأسرى؛ بل تحمل فى طياتها أبعادًا استراتيجية مهمة تتعلق بإعادة تشكيل النفوذ الأمريكى فى الشرق الأوسط.

نجاح الصفقة سيُظهر قدرة الأطراف الإقليمية والدولية على العمل معًا لتحقيق استقرار نسبى. ومع وصول ترامب للرئاسة، سيبقى السؤال الجدلى حول مدى استمرارية هذا النهج وفعاليته فى مواجهة التحديات المستقبلية!.
نقلا عن المصرى اليوم