محرر الأقباط متحدون
استقبل البابا فرنسيس في الفاتيكان وفدا بوذيا من منغوليا ووجه لهم كلمة أكد فيها أنه في سياق الكوارث الطبيعية والصراعات البشرية، تشكل السنة اليوبيلية المقدسة، بالنسبة لنا، دعوةً إلى العمل من أجل الهدف المتقاسم ألا وهو بناء عالم أكثر سلمية، تعزز التناغم بين الشعوب ومع البيت المشترك. وأمل أن تشكل زيارتهم إلى روما والفاتيكان مناسبة ملائمة لتعزيز التعاون لصالح مجتمع يرتكز إلى الحوار والأخوة والحريات الدينية والعدالة والتناغم الاجتماعي.
شدد الحبر الأعظم في الكلمة التي وجهها لضيوفه على أن المسؤولية ملقاة على عاتق الجميع، لاسيما القادة الدينيين المدعوين إلى توجيه العالم وجميع الأشخاص نحو نبذ العنف ومعانقة ثقافة السلام، خصوصا في سياق الكوارث الطبيعية والصراعات التي يشهدها عالمنا اليوم. وهو موضوع كان قد تناوله البابا فرنسيس خلال زيارته الرسولية إلى مونغوليا في أيلول سبتمبر من العام ٢٠٢٣، عندما خاطب الممثلين عن مختلف الديانات والطوائف في العاصمة أولان باتار.
وقد جاءت الكلمة التي وجهها البابا إلى ضيوفه البوذيين لتندرج في سياق خطابه وزيارته تلك، التي كانت الأولى من نوعها لحبر أعظم إلى الأراضي المونغولية، مع العلم أن البوذيين يشكلون النسبة الأكبر من السكان، فيما يُقدر عدد المؤمنين الكاثوليك بألف ومائتي نسمة، ويعود الفضل في ذلك إلى العمل التبشيري الذي وُلد مجددا من تحت أنقاض الشيوعية. ومع ذلك، تُعتبر مونغوليا أرض الحوار والتعايش السلمي، كما أن الزيارة التي قام بها الوفد البوذي المونغولي إلى روما والفاتيكان تعكس علاقات المودة والصداقة القائمة بين الكرسي الرسولي وهذا الشعب المونغولي النبيل، كما قال الحبر الأعظم في كلمته إلى ضيوفه، لافتاً أيضا إلى أن هذه الصداقة هي واقعية وقد اختبرها شخصياً خلال زيارته الرسولية المذكورة آنفا، وكانت الزيارة الرسولية الثالثة والأربعين خارج الأراضي الإيطالية.
بعدها عاد البابا بالذاكرة إلى اللقاء الذي ضمه – في الثالث من أيلول سبتمبر ٢٠٢٣ – إلى أحد عشر قائداً روحياً ينتمون إلى مختلف المعتقدات والأديان، وشدد خلاله على أهمية الخدمة التي ينبغي أن تقدمها الديانات لصالح الخير العام، محذراً من مغبة أن تقترن المعتقدات الدينية بالعنف. وذكّر فرنسيس في كلمته إلى ضيوفه في الفاتيكان بأنه في تلك المناسبة تم التأمل في التوق الروحي العميق الموجود في قلب جميع الرجال والنساء، ويمكن أن يُشبه بلقاء كبير بين الأخوة والأخوات السائرين في دروب هذا العالم وعيونهم شاخصة نحو السماء. ومن هذا المنطلق شاء الحبر الأعظم أن يرحب بضيوفه قائلا: "أرحب بكم جميعاً كأخ لكم، باسم البحث الديني المشترك".
هذا ثم شاء البابا برغوليو أن يعود بالزمن في تسعينات القرن الماضي، لافتا إلى أنها كانت مرحلة مزهرة مع أنها لم تخل من الصعوبات. وذكّر بأنه بعد سقوط الأنظمة الشيوعية مرت البلاد بمرحلة من التجدد الديني العميق. وهذا تحقق أيضا بفضل إسهام وتفاني البوذية، عن طريق إعادة إحياء الممارسات الروحية التقليدية ودمجها في عملية نمو البلاد، وهكذا – مضى يقول – تمكنت مونغوليا من استعادة إرثها الديني الغني، مظهرة في الوقت نفسه جهودا بذلتها من أجل نجاح عملية الانتقال الديمقراطي.
تابع البابا خطابه إلى الوفد البوذي المونغولي مشيداً بالتزام البلاد لصالح الدفاع عن الحريات الدينية والحوار بين مختلف المذاهب، ما خلق أجواءً من الاحترام المتبادل بين مختلف التقاليد الدينية، وعزز مجتمعاً لم يغتنِ بالازدهار المادي وحسب، ولكن أيضا بالقيم الأساسية للتضامن الأخوي. وأكد فرنسيس أنه من خلال تعزيز تلك القيم، تلعب الديانات دوراً أساسياً في بناء مجتمع عادل ومتجانس.
لم تخل كلمة البابا من التوقف عند السنة اليوبيلية المقدسة، التي بدأت في الرابع والعشرين من كانون الأول ديسمبر الماضي، وذكّر ضيوفه بأن اليوبيل هو، بالنسبة للتقليد المسيحي، زمن حج ومصالحة ورجاء. وفي هذا الزمن الذي نعيشه اليوم، والمطبوع بالكوارث الطبيعية والصراعات يشد اليوبيل أنظارنا نحو هدف متقاسم، ألا وهو بناء عالم أكثر سلماً، يعزز التناغم بين الشعوب من جهة ومع بيتنا المشترك من جهة أخرى. ولفت في هذا السياق إلى أن الرغبة الكونية في تحقيق السلام تتحدانا جميعاً أن نتصرف بشكل واقعي وملموس، خصوصا كقادة دينيين متجذرين في تعاليمنا، إذ نتحمّل مسؤولية أن نوجه البشر نحو نبذ العنف ومعانقة ثقافة السلام.
في ختام كلمته إلى الوفد البوذي من مونغوليا تمنى البابا فرنسيس لضيوفه إقامة ممتعة ومثريةً في روما، آملا أيضا أن يشكل اللقاء الذي عقدوه في الدائرة الفاتيكانية للحوار بين الأديان مناسبة ملائمة لتعزيز التعاون لصالح مجتمع يرتكز إلى الحوار والأخوة والحريات الدينية والعدالة والتناغم الاجتماعي.