د. ماجد عزت إسرائيل
قانا الجليل: موقعها التاريخي ودلالاتها الإنجيلية
قانا اسم عبري معناه "مكان القصب"، وهي مدينة شهيرة صنع فيها السيد المسيح أولى عجائبه، بتحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل (يو 2: 1-11). كما شهدت عجيبة ثانية وهي شفاء ابن خادم الملك (يو 4: 46-54). وكانت قانا أيضًا وطنًا لنثنائيل أحد تلاميذ المسيح (يو 21: 2). من الإنجيل نعلم أن قانا تقع في الجليل بمكان مرتفع بالنسبة إلى كفرناحوم، إذ يذكر يوحنا: "وبعد هذا انحدر إلى كفرناحوم" (يو 2: 12). وفي واقعة شفاء ابن خادم الملك، جاء الأخير من كفرناحوم إلى قانا ليطلب من المسيح أن ينزل ويشفي ابنه (يو 4: 46-47).
موقع قانا الجغرافي
يرجح أن قانا الجليل هي خربة قانا الواقعة شمال الناصرة بحوالي ثمانية أميال، حيث توجد عيون ماء ومستنقعات تنتشر فيها القصب بكثرة. وقد أيد هذا الرأي كل من يوسابيوس وجيروم، إذ أشارا إلى أن قانا الجليل تقع بالقرب من صيدا.
ومع ذلك، يرى بعض الباحثين أن قانا الجليل هي كفركنا، التي تقع شمال شرقي الناصرة بأربعة أميال. في كنيسة الروم الأرثوذكس في كفركنا، تُعرض جرّة يزعم أنها استُخدمت في معجزة تحويل الماء إلى خمر، لكنها مجرد تقليد شعبي، لأن اسم "كنا" هنا لا يبدأ بالقاف.
احتفال الكنيسة بعيد عرس قانا الجليل
تحتفل الكنيسة بأحد الأعياد السيدية السبعة الصغرى، وهو عيد عرس قانا الجليل، الذي شهد صنع الرب يسوع المسيح أول آية أظهر بها مجده وقدرته على كل شيء، مما دفع تلاميذه للإيمان به.
يروي الإنجيل المقدس في (يوحنا 2: 1-11):"وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل، وكانت أم يسوع هناك. ودُعيَ أيضًا يسوع وتلاميذه إلى العرس. ولما فرغت الخمر، قالت أم يسوع له: «ليس لهم خمر». قال لها يسوع: «ما لي ولكِ يا امرأة؟ لم تأتِ ساعتي بعد». قالت أمه للخدام: «مهما قال لكم فافعلوه».
وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك، حسب تطهير اليهود، يسع كل واحد مطرين أو ثلاثة. قال لهم يسوع: «املأوا الأجران ماءً». فملأوها إلى فوق. ثم قال لهم: «استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المتكإ». فقدّموا. فلما ذاق رئيس المتكإ الماء المتحول خمرًا، ولم يكن يعلم من أين هي، لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا، دعا رئيس المتكإ العريس وقال له: «كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولًا، ومتى سكروا فحينئذٍ الدون. أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن».
هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل، وأظهر مجده، فآمن به تلاميذه. تحمل هذه الآية دلالات روحية عظيمة، فقد فتح الرب يسوع باب الإيمان للآخرين عبر تحويل الماء إلى خمر (حسب عوائد اليهود)، معلنًا عن سلطانه الإلهي. كما أن حضوره في العرس كان بمثابة بركة عظيمة، إذ بارك سر الزواج وجعله سِرًا مقدسًا في الكنيسة.
الخلاصة أن عيد عرس قانا الجليل ليس فقط احتفالًا بمعجزة، بل هو تذكار لعمل المسيح الذي أظهر من خلاله مجده، وجعل الزواج رابطًا مقدسًا مباركًا بحضوره الإلهي. قانا الجليل، بموقعها وتاريخها، تبقى رمزًا حيًا في الإيمان المسيحي، حيث حملت رسالة الإيمان الأولى التي أظهرت مجد الرب للعالم.