الراهب القمص بطرس البرموسي
وفى أحد حوارات القديس كيرلس الكبير التي واجه فيها افكار من أنكروا ألوهية الابن دون ان يتعرضوا جهارًا لأقنوم الروح القدس. حاول التعامل مع تعاليمهم هذه بطريقة عكسية، فعمل إيضاح عمل الابن المتجسد من خلال عمل الروح القدس الذي لا ينكرون ربوبيته. في تجديد البشرية وإعادتها إلى رتبتها الأولى مشددًا على أن هذا العمل الخلاصي لم يكن ليتم إلا لو كان الابن هو الرب والله الذي ظهر في الجسد.
 
وفى نص رائع يصف ما ألت اليه البشرية بعد السقوط وكيف أن الابن كلمة الله قد اعادها للشركة في الحياة الإلهية بالروح القدس، فيقول: (لقد هرب العالم من خالقه، وابتعد عن الاتصال به، لأنه لم يعرف العالم الخالق الذي هو اسمى من الخليقة، ولأنه انعطف نحو الشر فإنه قطع علاقته بالخالق، تلك العلاقة التي كانت عن طريق الروح القدس لأنه بمجرد أن خُلقت طبيعة الإنسان بواسطة روح الخالق غير الموصوف زينت في الوقت نفسه بهبة العلاقة بالروح القدس لأنه مكتوب "ونفخ في انفه نسمة حياة" (تك2: 7)، لأنه كما اعتقد لا يستطيع الكائن الحى أن تكون له هذه الدالة وهذا التقديس بأي طريق آخر، سوى شركة الروح القدس، فعندما تجسد الابن الوحيد، وجد أن طبيعة البشر خالية من الصلاح الذي وهبه الله اليها في القديم عند خلقتها، لهذا أسرع بأن يشركها في ملئه مثلما من نبع قائلًا: "اقبلوا الروح القدس"، ومبينًا نفخة روحه عندما نفخ في وجوههم وهكذا كان تجديد البشرية وإعادتها إلى رتبتها الأولى، مماثلًا لما قد حدث عند خلقها في البدء، بينما نجد أن انفصال الطبيعة المخلوقة لا يفهم انه ابتعاد مكاني، بل بالحرى انه ابتعاد هذه الخليقة عن الله، وعن شركة الابن والروح القدس.
 
لهذا فيمكن أن ترجع إلى حالتها الأولى لو أرادت. طالما انها وُهبت التجديد الروحي وهي مدعوة لشركة الطبيعة الإلهية عن طريق الروح القدس. فلو كان الابن حسب ما يقولون. هو واحد من ضمن المخلوقات. فبأية طريقة تكون الخليقة قد انفصلت عنه؟ لأن من تربطهم علاقة قرابة هم دائمًا متحابون، ولن ينفصل أحدهم عن الآخر أبدًا، إذ أن كلًا منهم مخلوق مثل الآخر. بينما الغريب. اي الذي لا يكون من الطبيعة نفسها، لا يوصف عادة بنفس صفات تلك الطبيعة، لأنه مختلف عنها، فكيف يكون (الابن) قد صار ضمن الخليقة عن طريق الروح؟ وما هو الشيء الذي يمكن أن يضيفه أو يهبه لها، أو إلى أي مستوى يمكن أن ترتقي هذه الطبيعة المخلوقة، وما هو الشيء الفائق الذي يشكله داخلها؟ وكيف يقال انه قد وضع نفسه، طالما أنه لا يحسب من ضمن مَنْ هم أعلى (لأنه مخلوق مثلنا حسب اعتقادهم)؟ أو أي تنازل قدر احتياجه حتى انه في تنازله هذا من علوه، يكون قد اتحد بهذا العالم وصار جزءًا منه، إن لم يكن هو أسمى من العالم والخليقة؟)
 
هكذا أوضح لنا القديس كيرلس عامود الدين أن الذي تجسد هو الابن بالحقيقة الاقنوم الثاني من الثالوث القدوس "الله الكلمة" وكانت حاجة العالم للخلاص هي السبب الرئيسي لظهور الله الكلمة في الجسد، لذلك تعالوا بنا نفرح ونتهلل من أعماقنا وفرحنا يكون فرح روحي بخلاصنا من عتق العبودية بتجسد الابن الوحيد وفدائه لنا على الصليب لكي نعود إلى الفردوس ونرد إلى رتبتنا الاولى التي خلقنا عليها.