القمص يوحنا نصيف
    + "آية" تعني "إشارة".. ولعلّ هذه المعجزة إشارة لحدث أهمّ، وهو تحويل الخمر إلى دم إلهي نحيا به، يوم خميس العهد.

    + كان "عُرس".. كثيرًا ما شبّه المسيح ملكوته الذي يدعونا إليه بحفلة عُرس.. إنسان ملك صنع عرسًا لابنه (مت22: 2) - يُشبِه ملكوت السموات عشر عذارى (مت25: 1) - بنو العرس لا يستطيعون الصيام والعريس معهم (لو5: 34) - من له العروس فهو العريس (يو3: 29) طوبى للمدعوين إلى عشاء عُرس الخروف (رؤ19: 9)..

    + الخمر كانت من مستلزمات الوليمة الأرضيّة.. وهي تشير إلى الحُبّ الإلهي الذي هو من أهمّ مستلزمات الوليمة السمائيّة، التي يدعونا الربّ إليها..
    + ترمز الخمر إلى الحُبّ والفرح والحرارة الروحيّة.. "حبّك أطيب من الخمر.. نذكر حُبَّك أكثر من الخمر" (نش1: 2، 4). "أعطيتَ سرورًا لقلبي، أكثر من الذين كثرت حنطتهم وخمرهم وزيتهم" (مز4: 7 الأجبية). "ويفرح قلبهم كأنّه بالخمر، وينظر بنوهم فيفرحون، ويبتهج قلبهم بالرب" (زك10: 7). "لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح" (أف5: 😎.

* ستّة أجران من حجارة..
    رقم ستّة: اليوم السادس الذي تمّت فيه الخليقة.. اليوم السادس تمّ فيه تجديد الخليقة على الصليب.. فهذه الآية كلّها تشير إلى تجديد الخليقة..

* أجران..
    + باليونانيّة "إدرِيّاي"، وهي مشتقة من كلمة "إيدُور" أي الماء.. فهي أجران مخصّصة لحفظ الماء.
    + والقبطيّة "هيذرِيّا" مأخوذة منها.. وجاءت منه الكلمة العربيّة "هِدرا".

* الماء..
    هنا يشير إلى البرودة الروحيّة التي فينا، والتي سيحوّلها الربّ بقوّة لاهوته إلى خمر.. التي تشير إلى الحرارة الروحيّة..

* الحجارة..
    فيها إشارة لطبيعتنا القديمة والقلوب الحجريّة، التي نطلب أن يحوّلها الله إلى قلوب لحميّة، بحسب وعده في سفر حزقيال: "وأنزع قلب الحجر من لحمكم، وأعطيكم قلب لحم" (حز36: 26)

* تطهير اليهود..
    لعلّ هذه الكلمة تشير إلى العبادة القديمة بحسب الناموس، والتي سيحوِّلها المسيح إلى عبادة بالروح والحقّ، بالحُبّ الإلهي.. عن طريق تحويل الماء إلى خمر، ثمّ الخمر إلى دمه الإلهي!

* المِطر..
    + حوالي 40 لترًا.. مجموع السِتّة أجران حوالي 600 لتر.. وهنا إشارة إلى "غِنى المسيح الذي لا يُستقصَى" (أف3: 😎 الموهوب لنا كأبناء لله.
    + خمر المسيح الروحيّة تفوق خمر العالم، في الكمّيّة والنوعيّة..

* املأوا الأجران ماءً. فملأوها إلى فوق..
    + هنا نرى تضافُر الجهد البشري مع القوّة الإلهيّة.. الأعمال مع النعمة.. الربّ دائمًا يريد أن يُشرِكنا في عمليّة خلاصنا..
    + الملء إلى الحافّة هو إشارة للطاعة الكاملة لله، وتقديم كلّ الجهد وكلّ الإمكانيَّات، حتّى آخِر ما نملك.. مِثل الأرملة التي قدّمت كلّ معيشتها..

* الخمر الجيّدة..
    بحسب وصف رئيس المتّكَأ، وهذا يُشير إلى جودة الخمر الروحيّة.. أي الحُبّ الإلهي، وهو الذي يبقى إلى الأبد..

* بداية الآيات..
    + كلمة "بداية" "أرشي باليونانيّة" تتضمّن أيضًا معنى "الشيء الرئيسي" الذي له موقع الصدارة والأهمّيّة.. والآية هي إشارة لِمَا هو أبعد وأعمق من مَظهَر المعجزة.. ولعلّها تشير إلى تحويل الخمر بعد ذلك إلى دمه الإلهي في العشاء الأخير.. ثمّ أنّ هذا العشاء الأخير نفسه هو إشارة لحَفل الملكوت.. عشاء عُرسِ الخروف الذي سنَفرَح به إلى الأبد..

    + كما أشار السيّد المسيح بنفسه: "وأقول لكم: إنّي من الآن لا أشرب من نِتاج الكرمة هذا حتّى أشربه معكم جديدًا في ملكوت أبي" (مت26: 29) وهو يشير بكلمة نتاج الكرمة إلى دمه، لأنّه شرح بعدها أنّه هو الكرمة الحقيقيّة!

    + أشار الربّ يسوع أيضًا إلى عشاء عُرس الملكوت، عندما قال لتلاميذه: أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي، وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتًا، لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي" (لو22: 28، 29). وإذا كُنّا نَعرِف أنّه ليس في الملكوت طعام مادّي ولا شَرَاب مادّي، إذ "ليس ملكوت الله أكلاً وشُربًا، بل هو بِرّ وسلام وفرح في الروح القدس" (رو14: 17).. فيكون المقصود بكلام المسيح طعامًا روحيًّا وشرابًا روحيًّا، وهو: الحُبّ الإلهي..!

* للقدّيس مار إسحق السرياني العديد من الأقوال الجميلة، حول هذا المفهوم:
    [+ المحبّة هي الملكوت، الذي وَعَد به ربُّنا الرسل وَعدًا سِرّيَّا، أن يأكلوه في ملكوته. لأنّنا حين نسمعه يقول: تأكلون وتشربون على مائدتي في ملكوتي، ما الذي نظنّ أنّنا سنأكله إن لم تَكُن المحبّة؟ المحبّة تكفي لتغذية الإنسان عِوَضًا عن المآكِل والمشارب. هذا هو الخمر المُفرِّح قلب الإنسان (مز104: 15)، فطوبي لمَن يشرب من هذا الخمر..!

    + كإنسانٍ يشرب خمرًا وقت الحزن، فيَسكَر ويَنسَى كلّ وجع حزنه، هكذا الذي يَسكَر بحُبّ الله في هذا العالم الذي هو بيت الندْب والأحزان، يَنسَى وجعَ أحزانِه جميعها؛ ولأجل سُكرِهِ لا يحسّ بكلّ آلام الخطيّة.

    + من هذه الخمر (الحُبّ الإلهي) شَرَب الفسَقة الوقحون، فصاروا ذوي عفاف وحياء.. شرب منه السكّيرون فصاروا صوّامين.. شرب منه الخُطاة فنسوا سُبُل المعاثر.. الأغنياء شربوا منه، فأحبّوا الفقر.. الفقراء شربوا منه فاغتنوا بالرجاء.. المرضى شربوا منه فصَحّوا، والضعفاء تقوّوا والعوام صاروا حكماء..!]

    + قد يكون سبب اختيار الربّ يسوع للخمر، أنّها ستحمل إشارة لدمه الإلهي..

    + الحُبّ يُعطي فرحًا وحرارة روحيّة وطاقة في داخل القلب.. والإنسان الذي يعيش في الحُبّ الإلهي، ينال طاقة بذل هائلة..

    + الحُبّ الإلهي هو الخمر الروحيّة التي تقوّي قلب الإنسان، وتجعله يقبل بفرح كلّ الآلام العارضة، والمضايقات اليوميّة الصغيرة، ويحوّلها إلى أنشودة حُبّ وتسبيح..

    + الإفخارستيا هي سبق تذوُّق للخمر السماوي، أي المحبّة الإلهيّة في الملكوت..

    + كما كانت الخمر من مستلزمات الوليمة الأرضيّة، كذلك الحُبّ الإلهي هو من مستلزمات الوليمة السماويّة التي نحن مدعوُّون إليها.. لذلك نتوسَّل إلى الله، بشفاعة والدة الإله القدّيسة مريم، أن يسكب فينا هذا الحُبّ بالروح القدس..

[مرجع المقال: كتاب: مع المخلِّص في كل ما فعله لأجلنا – مركز باناريون للتراث الآبائي]
القمص يوحنا نصيف