آيات عسرة الفهم
لا يزال يدور حولها سجال عقيم
وهي ظاهرة بذاتها .


ماهر عزيز 
لقد جاءت الآية في الترجمة المبسطة للعهد الجديد  ، التي اعتبرت إلى حدٍ ما ترجمة تفسيرية هكذا  :  "لا تَظُنُّوا أنِّي جِئْتُ لِكَي أُلغِيَ شَرِيعَةَ مُوسَى أوْ تَعليمَ الأنبِياءِ . لَمْ آتِ لِكَي أُلغِيَها ، بَلْ لِأُعطِيَها مَعناها الكامِلَ"  ..

ومعني أن أعطاها  المسيح معناها الكامل - بحسب هذه الترجمة التفسيرية -  هو أن حققها وتمم مقاصدها ، وليس أن مَدَّ أثرها في الناس والزمان ..  
أعطاها معناها الكامل وأغلقها لأنه إذ حققها وأتَّمها أعطى عهداً جديداً في الناس والزمان  .. جديداً في كل شيء  .. لأنه " إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ . الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ  ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا" (2 كو : 17)  .

فإذا ادَّعى مُدَّعٍ أن ما قاله السيد المسيح يعنى الالتزام بالناموس اليهودى  ، والسير على خطاه وهديه  ، فإنه ينسف عمل المسيح الخلاصى نسفاً  ، ويعاند العهد الجديد الذى أطلقه للعالم  ، ويعلم تعليماً شاذاً مغلوطاً  ، ضد الكتاب المقدس وضد المسيح  .. وفى أولئك وهؤلاء يقول الوحى الإلهى في الرسالة إلى غلاطية  : "وَلكِنْ بِسَبَبِ الإِخْوَةِ الْكَذَبَةِ الْمُدْخَلِينَ خُفْيَةً  ، الَّذِينَ دَخَلُوا اخْتِلاَسًا لِيَتَجَسَّسُوا حُرِّيَّتَنَا الَّتِي لَنَا فِي الْمَسِيحِ كَيْ يَسْتَعْبِدُونَا ، اَلَّذِينَ لَمْ نُذْعِنْ لَهُمْ بِالْخُضُوعِ وَلاَ سَاعَةً  ، لِيَبْقَى عِنْدَكُمْ حَقُّ الإِنْجِيلِ"   (غلاطية 2: 4 و 5)  .

فارق كبير بين أن نفهم كلمات يسوع انطلاقاً من مفاهيم ظلامية  ،  وبين أن نفهمها انطلاقاً من الحق الكتابى  ..

الظلامية بضمير غير صالح تلوى عنق الكلمات لاستعباد الإنسان  .. لكن الحق الكتابى بضمير صالح يكرس الكلمات للحرية  .. حرية مجد أولاد اللـه  .

فهل معنى أن المسيح حررنا من الناموس أن نفعل ما نشاء؟
حـاشـا!!!

فمسئوليات المؤمنين وواجباتهم لم تنته بانتهاء سيطرة الناموس القديم  ، بل تجددت بالتزامات العهد الجديد  .. عهد النعمة التي بالفداء بالمسيح يسوع  .

هنا يطلب المسيح أن يزيد بِرّ المسيحيين على بِرّ الكتبة والفريسيين ؛  يزيد على الإرضاء الحَرْفِى الضيق لمطالب شريعية هائلة مفتتة لا غرض لها سوى السلوك بالشكلية والمظهرية والريائية المقيتة  ، كالتى يتفنن فيها  بعض الإكليروس ، الذين يطعنون المسيح فى جنبه النازف  ،  فتفقد جوهر الارتباط باللـه  ، وتسقط في هوة الارتباط الجسدانى  ، بشأن طقساني لا وظيفة له سوى عبودية البشر لسلطان بشري دامغ .

إن غاية النعمة التي للعهد الجديد الذى أعطاه يسوع هي المحبة  ، وهى ترسم طريقاً لا نهائياً للفضيلة السالكة بالكمال إلى المسيح رأساً  ، التي لا يمكن إتمامها نظرياً  ، لأنها تصعد في تَرَقٍ دائم لا ينتهى  .. لأن كل ما يفعله الإنسان تحت عهد المسيح الجديد يُحْسَبُ بسيطاً تجاه محبته اللامحدودة  .. وتجاه المحبة التي بلا حدود  .

إن ما فعله المسيح هو أنه أكمل الناموس القديم وأغلقه  ، ليضع أمام الناس محبة اللـه وليس ناموس اللـه  ، حتى لقد أعلن أغسطينوس في محفل عهد المسيح الجديد  : "إن الحياة المسيحية توجزها عبارة واحدة ليس غير  : أحبب اللـه وافعل ما شئت"  ، وعندها نتبين حقاً كيف أحبنا اللـه  ، وأى عهد جديد يتجاوب مع محبة اللـه  .. لا مع شريعة عهد قديم أتمه اللـه .. بل مع شريعة جديدة تطرح محل العهد القديم  في حياة الناس والتاريخ الإنسانى القادم كله شريعة الحب .

فكيف يأتى إكليروس مهما كانت رتبته - فى رحاب العهد الجديد - ليقول بأن المرأة لا تزال بنجاسة العهد القديم  ، وأن الطقوس الكهنوتية الفريسية الغليظة لا تزال تمسك برقاب الناس ؛ لا لإدراك أي بِرٍّ سماوى البتة  ، بل لإدراك الخضوع للسلطان القاسي !!

وكيف المسيح قد جاء وحرر المرأة من عبودية الشريعة وقال لها  : " وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ . اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا " (يو 8 : 11)  .. وأَبْطَلَ رجمها  ؛ ثم يأتي جاهل لم يتعلم القراءة بعد ليقول  : "مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ"  تعنى أنه حافظ على عبوديتها ونجاستها  ؛  ويفسر "بَلْ لأُكَمِّلَ"  :  بأنه يكمل على نفس المنوال ، ويحفظ الشريعة ذاتها للأبد للناس ؟

هذا من الإخوة الكذبة كما قال الوحى في غلاطية  .. لم يقرأ الحروف والكلمات  ، فلا يمكنه أن يفرض كذبه أبداً على جموع المؤمنين لمجرد أنه يتقلد الزي الديني  !!!

أخيراً وليس آخراً  .. فالقضية كلها تشير - بأسى بالغ الآن - إلى بؤس التعليم الدينى والكتابى الراهن في القبطية الأرثوذكسية  ؛ وتدق ناقوس الخطر للمرة الألف  : "إن التعليم الصحيح مسئولية خطيرة لم يحملها أحدٌ بعد"  !!