هاني لبيب
كنت وما زلت متفائلاً بتولى د. أحمد هنو مسؤولية وزارة الثقافة المصرية.. التى عانت فى السنوات الأخيرة الكثير من المشكلات، كان أقلها الطابع الاحتفالى الذى غلب على فعاليات الوزارة والتقاط الصور والأخبار والبيانات، دون تأثير حقيقى فى المواطنين ووعيهم وثقافتهم.
هذا التفاؤل.. بدأ فى الانحسار للأسف، وإن كنت ما زلت متمسكًا ببقاياه، وأقول لنفسى «لعله خير»، نظرًا لابتسامة الوزير الدائمة، ومحاولاته قبول الرأى والتفاعل مع ما يكتبه المثقفون والمدونون أولًا بأول، بل واتصاله بهم لفهم ما يحدث ووعدهم بحل المشكلات المتراكمة فى أسرع وقت. لكن سبب انحسار تفاؤلى أصبح أقوى من تمسكى ببقاياه، لذا قررت أن أكتب ما أراه وأشكو منه، وإن كنت أوقن أن المكتب الإعلامى للوزارة والمنوط بهم فيها.. كان من المفترض بهم أن يحملوا إلى المسئولين عن صناعة السياسات الثقافية.. عشرات المقالات التى كتبتها على صفحات جريدة المصرى اليوم عن أزمات وزارة الثقافة فى السنوات الثلاث الأخيرة، تجنبًا لمشقة البحث عن بعض ما عانته قطاعات الوزارة المتعددة.
لقد انقضت أربعة أشهر على تولى د. هنو.. مهمة صعبة ومصيرية فى وزارة معنية بالوعى والإبداع والمعرفة والهوية، وما زالت التغييرات لم تحدث فى قطاعات الوزارة المختلفة، والوضع للأسف «محلك سر»، بل إن كثيرًا من رؤساء القطاعات، الذين ما زالوا تحت الاختبار، لا يليق من الأساس اختبارهم، فقد استنفدوا فرصهم مرات ومرات قبل أن تتولى مسؤوليتكم الوزارية من الأصل.
الغريب فى الأمر أن أجد مثلا استجوابًا فى البرلمان.. يختص بمناقشة كارثة تسجيل ملف تراثى ضاع على مصر الانفراد به، بما يحمله هذا الانفراد من مكتسبات مادية ومعنوية، ثم بعد الاستجواب بيومين أجد الوزارة تكرم المسؤول عما حدث من تفريط وضياع فى يوم الاحتفال بصناع الهوية المصرية!.
الأغرب أيضًا، أن تتم الاستعانة بقيادات سابقة ثبت قصور قدراتها داخل لجنة ستقوم بتطوير القطاع نفسه الذى فشلت فيه أو تخلت عنه.. كيف تستعيد وزارة الثقافة الآن هذه القيادة.. لتضطلع بمهمة تطوير الهيئة نفسها؟!
الحديث لن ينتهى عن عدم التوفيق فى إدارة أكبر حدث ثقافى مصر وعربى، وواحدة من أعرق وأقدم مؤسسات النشر، وأتحدث هنا عن هيئة الكتاب ومعرضها، هل سأل أحد عن عدد العناوين السنوية التى نزلت إلى الربع، أو عن سياسات التوزيع وتردى أوضاعه وكارثة المخازن وإهدار وإتلاف آلاف الكتب فيها؟ هل نمى إلى علم الوزارة حال منافذ الهيئة التى تسقط واحدًا تلو الآخر فى المحافظات وتفقد الدولة المصرية نوافذ مواطنيها على المعرفة دون تحقيق بديل أو إيجاد حل؟! وهل تساءلتم عن مشكلات الناشرين مع المعرض وميزانيته التى تتحمل الدولة دعمه وتعوض خسائره، بينما تتردى أيضًا أوضاع ومشكلات المعارض الداخلية والخارجية؟!.
هل قرأتم مقالتى عما حدث فى معرض كتاب العام الماضى من مشكلات مع الناشرين، وهل علمتم أمر بث إحدى القنوات المعادية للدولة المصرية فعاليات صلاة الجمعة من داخل أرض المعرض على الهواء مباشرة؟! أو قرأتم مقالتى عن علاقات بعض القيادات بمؤسسات عربية منافسة أثرت على ريادة مصر الثقافية وأهدرت مقتنيات ومؤلفات وعناوين لا يمكن تعويضها بسبب التقصير وخلل الرؤية على أحسن تقدير وأجمل تعبير؟!
حديثى سيطول، ما زلت متفائلا بتوليكم مسؤولية فائقة الأهمية حسب تقديرى، لكننى أتمنى أن تنتهى كل هذه الأزمات وأكثر من خلال خطة ممنهجة.. أثق فى أنكم تملكون وضعها وتنفيذها بعقليتكم الجامعية وخبرتكم فى الإدارة والقيادة، بشرط واحد ووحيد.. هو إقصاء من يفسدون كل أمل حقيقى فى التغيير والنجاح.
نقطة ومن أول السطر..
التجديد لقيادات تخطت سن المعاش، ولقيادات تخلت عن مسؤوليتها وأجهضت مسيرة المؤسسات التى تديرها، ولقيادات عاجزة عن الإدارة والتطوير.. أمر لم يعد محتملًا. ولا يتسق مع توجه القيادة السياسية فى خطابها الفكرى لتصحيح الأفكار واستعادة الوعى. إنه تحدى سد عجز الوزارة عن أداء مهامها، بسبب ما ورثته عبر سنوات طويلة من قيادات ليس لديها ما تقدمه لأسباب لا حصر لها.
وأخيرًا سأعيد عليكم قناعتى الباقية الخالدة: «الثقافة هى الحل».
نقلا عن المصري اليوم