ياسر أيوب
لكل منّا أشياؤه الخاصة التى يحتفظ بها ويحافظ عليها حتى إن لم يرَ لها الآخرون أى قيمة أو ضرورة.. ثياب قديمة أو أوراق وصور أو هدايا بسيطة وأشياء صغيرة.. ويظل الإنسان يرفض التخلى عن أى من هذه الأشياء مهما جرت سنون وأيام وتبدلت ظروف وأحوال.. ثم تأتى فجأة أزمة أو كارثة لا يستطيع معها الإنسان جمع كل هذه الأشياء ويضطر لاختيار الأهم وليس بالضرورة الأغلى.. وهذا ما قام به جارى هال حين فوجئ بالنيران تشتعل فى بيته فى منطقة باليساديس فى لوس أنجلوس، ولم يكن أمامه إلا ثلاث دقائق فقط ليبتعد عن البيت.. فلم يهتم بحمل ساعاته الغالية ومجوهراته، إنما حرص على أن يحمل معه صورة للجد وهدية صغيرة من ابنته.. واقتربت النار، فلم يستطع جارى أن يأخذ معه عشر ميداليات أوليمبية كان قد فاز بها فى دورتى أتلانتا 1996 وسيدنى 2000.. ورغم حزن مؤكد وطبيعى لاحتراق بيته، فإنه كان هناك حزن خاص جدًّا لضياع الميداليات الأوليمبية التى أدرك جارى أنها انصهرت بفعل النار التى أحرقت ودمرت كل شىء.
ورغم إعلان توماس باخ، رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية، أنه سيقدم لبطل السباحة الأمريكى عشر ميداليات جديدة مماثلة للميداليات التى احترقت.. فإنه إعلان لم يسعد به جارى كثيرًا كما هو مفترض ومتوقع.. فمشاعر الإنسان دائمًا شديدة التعقيد، وليس فيها أى منطق وليست لها أى تفاسير محددة أو حسابات واضحة للمكاسب أو الخسائر.. وغالبًا لا يملك الإنسان أسبابًا تشرح الذى يحبه ويسعد به والذى لا يحبه ولا يريده.. وتختلف هذه المشاعر والأسباب من إنسان لآخر.. ويمكن فهم حزن جارى بسبب الميداليات التى احترقت رغم تلك الميداليات البديلة لأن الميداليات الأصلية لم تكن مجرد ميداليات يمكن استبدالها.. فكل ميدالية كانت لها حكايتها.. الجهد والتعب والحلم والإصرار التى جاءت بها فى النهاية.
فرحة الوقوف على منصة التتويج ورفع العَلَم وعزف النشيد.. اعتزاز شاب بدأ مشوار حياته مصابًا بمرض السكر فقرر أن يصبح بطلًا.. وظل يحلم ويحاول حتى فاز بميداليته الأوليمبية الأولى وتوالت بعدها الميداليات.. ولم يفز جارى بعشر ميداليات أوليمبية فقط.. لكنه فاز أيضًا ببطولة العالم أكثر من مرة فى سباحة التتابع وسباقات أخرى.. ورغم حكايات كثيرة عاشها جارى سواء أثناء ممارسته للسباحة وفوزه ببطولاتها أو بعد اعتزاله.. مثل القرش الذى هاجمه فى الماء واستطاعت شقيقته قتل القرش بحربة كانت معها وحوادث سيارات خطيرة وأعاصير أيضًا.. فإنه لا شىء يعادل قسوة النار حين تحرق كل شىء.. البيت وأجمل وأهم وأغلى ذكريات العمر.
نقلا عن المصرى اليوم