أحمد الجمال
على مدار عام كامل، وفى اجتماعات دورية متقاربة، كانت أحيانًا أسبوعية، التقى أعضاء اللجنة الاستشارية العليا لمعرض القاهرة الدولى للكتاب، برئاسة الأستاذ الدكتور أحمد بهى الدين العساسى، بحكم موقعه كرئيس لمجلس إدارة الهيئة العامة للكتاب فى مصر، وعضوية الدكتور على الدين هلال، والدكتور صابر عرب، والدكتور ممدوح الدماطى، والدكتورة درية شرف الدين، الوزراء السابقين، وأيضًا الدكتورة جيهان زكى، النائبة البرلمانية، أستاذة التاريخ القديم، والدكتور أحمد نوار، والدكتور جمال مصطفى سعيد، أستاذ الجراحة العامة والأورام، والأستاذ علاء عبدالهادى، رئيس اتحاد الكتاب، والشاعرين الأستاذين أحمد الشهاوى وإبراهيم عبدالفتاح، والدكتور محمد أحمد مرسى، أستاذ العلوم السياسية، والدكتور سامى سليمان، أستاذ الأدب العربى، والدكتورة ريم بسيونى، الروائية والأستاذة بالجامعة الأمريكية، والدكتور سعيد المصرى، والأستاذ محمد ناصف، والدكتور حسام نايل، وكاتب هذه السطور عدا عن السادة من كبار المسؤولين فى الهيئة.

وقد حرصت على أن أذكر الأسماء والزمن الذى استغرقته الاجتماعات لأوضح مدى جدية وعمق الجهد الجماعى المبذول ليخرج المعرض متقدمًا خطوة أو خطوات على طريق الاكتمال.

ثم يلزم أن أنوه إلى أن كل اقتراح بشعار أو بشخصية يتم تكريمها والاحتفاء بها، أو بمحور من محاور الأنشطة اليومية فى المعرض، كان يتم تداوله بالمناقشة المستفيضة، وعند تعدد الآراء والاقتراحات، وللوصول لحسم الأمر كان التصويت هو السبيل المتاح.

وغنى عن الذكر أن الشخصيات التى ذكرت أسماءها يتوافر لها قدر كبير من العلم والمعرفة، واستقلال الرأى وسعة الصدر.. وكلهم بقوا متطوعين فى مهمتهم، لا يتقاضون أجرًا، ولا ينتظرون جزاء ولا شكورًا من أحد إلا وجه الله والوطن، ومع ذلك كله ورغمه فلن نعدم من سيتمطى ذات صباح ليقول أو يكتب عن السلبيات الفادحة، والتقصير المعيب، والإهمال الجسيم، ولا بأس من غمز ولمز يمكن تأويلهما عديدًا من التأويلات.

ولقد جاء شعار المعرض هذا العام فى عبارة موجزة «اقرأ.. فى البدء كان الكلمة»، تم الاستقرار عليها بالتصويت بعد اقتراحات عديدة بشعارات أخرى، وكانت الملاحظة السلبية الوحيدة من البعض على تلك العبارة أن فيها إيحاء أو ميلًا عقديًا، لأنها تتضمن كلمة قرآنية وآية إنجيلية، ومن الأفضل- عند المعترض الوحيد فى اللجنة- الابتعاد عما فيه ميل عقدى، لتستمر المناقشة، لتتجه إلى أن العبارة سواء اعتبرناها مستقاة من النصوص المقدسة، أو اعتبرناها تعبيرًا عن جزء رئيسى، بل الجزء الرئيسى من الوجدان الشعبى، إلا أن اللغة كوعاء لهذا الوجدان بأبعاده العديدة والعميقة تنصرف إلى معناها المباشر فى المكان والزمان، بحيث تبدو العبارة القديمة التى تقول: «خذ الحكمة ولا يهمك من أى إناء نضحت» عبارة صحيحة، إذ الأمر بالقراءة يصبح وجوبيًا إذا استمد من نص مقدس، حيث لا يقل ذلك الأمر وجوبًا عن الأمر بإقامة الصلاة والصوم وغيرهما.. ومن ينكر وجوب القراءة، ومعها التفكر والتدبر والسير فى مناكب الأرض لتأمل وتدبر آيات الله فى كونه، ولكسب الرزق، هو منكر لما هو معلوم من الدين بالضرورة.. وكذلك فإن الإيمان بأنه فى البدء كان الكلمة يُعلى من شأن الكلمة، وينزلها منزلة مقدسة فى حياة الإنسان، ولأننا فى صميم سعينا لبناء الإنسان نجد أنه لا بديل عن أن تصبح القراءة أحد أهم مقومات المجتمع، لأنها هى المدخل الوحيد لمعرفة الكلمة، باختلاف مضامينها وأشكالها الممتدة فى كل فروع العلم والأدب، ولست أذيع سرًا إذا قلت إن الاقتراحات والمناقشات المتصلة باختيار الشعار ظلت قائمة.. وأحيانًا ساخنة، أسابيع متصلة!

ثم إن الاتجاه لاختيار اسم الأستاذ الدكتور أحمد مستجير ليكون شخصية هذا العام جاء بعد مناقشات عميقة، اتجهت إلى ضرورة أن يتجه المعرض هذا العام للاحتفاء بشخصية من خارج نطاق العلوم الإنسانية ونطاق الأدب والفن، لتكون من نطاق العلوم الأساسية والتطبيقية، وحبذا لو أن من سيتم اختياره يكون جامعًا بدرجة أو أخرى للنطاقين، وجاء الاقتراح بالدكتور أحمد مستجير مناسبًا،، فهو يجمع بين التخصص العلمى الأساسى والتطبيقى وبين الاهتمام والكتابة فى الأدب، بل إن له محاولات شعرية، وجاء الجهد الكبير الذى بذله الأستاذ الدكتور جمال مصطفى سعيد، أستاذ الجراحة العامة والأورام، لمتابعة تحويل الاقتراح إلى واقع عبر اتصالات بزملاء وتلاميذ وأسرة الدكتور مستجير، وبلورة المحاور التى ستناقش؛ جهدًا مضنيًا كى يكون الاحتفاء لائقًا بالمحتفى به.

ومن جانبى، اقترحت الاحتفاء بمئوية الأستاذ الدكتور أحمد عبدالرحيم مصطفى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر والأديب أيضًا، وصاحب المؤلفات والأبحاث والمقالات التى تجل عن الحصر فى التاريخ والأدب، لدرجة أن له كتابًا عن توفيق الحكيم، ناهيك عن الأجيال العديدة التى تتلمذت عليه فى مراحل الليسانس والماجستير والدكتوراه، وعن أنه العمود الأول الذى أرساه أستاذ الأساتذة أحمد عزت عبدالكريم فى مدرسة التاريخ الحديث بآداب عين شمس، تلك المدرسة التى تميزت بكسر احتكار التاريخ السياسى للكتابة والأبحاث والرسائل الجامعية، بالتوجه إلى التاريخ الاقتصادى والاجتماعى، ليتم تخريج رواد من الحاصلين على درجة الدكتوراه فى هذا التوجه.

وبالطبع فلن أستطيع فى هذه العجالة أن أثمن بالقدر الكافى الجهد الذى بذلته وتبذله الهيئة العامة للكتاب، رئيسًا ومجلس إدارة ومسؤولين وموظفين وعمالًا، فى أداء مهمة إنجاح المعرض والوفاء بالأمانة التى تفرضها فريضة «اقرأ.. فى البدء كان الكلمة».
نقلا عن المصرى اليوم