هاني لبيب
يشهد العالم الآن أسرع تطور إنسانى على وجه الأرض منذ عرف الانسان النار.. أنه تطور عصر الثورة الصناعية التكنولوجية: الإنترنت، والرقمنة، والمعلوماتية، والذكاء الاصطناعى، وChat GPT، وأخيرًا DeepSeek. ليس مجرد تطور ولكنه ثورة كاملة فى كل ما يخص الديجيتال: طائرة دون طيار ومسيرات ودرون، وزيارة متاحف وأماكن وحضور اجتماعات ومشاهدة فعاليات دون السفر والذهاب إليها، وترجمة فورية دقيقة ومتخصصة، وتشخيص طبى وعمليات عن بعد، وتصميمات هندسية وديكورات وأشكال مختلفة عن المألوف، والقيام بغالبية مهام العمليات المحاسبية، وإعداد مذكرات قانونية ودفوع مستندة إلى الدساتير والقوانين والإجراءات، والقيام بمهام المعالجات والاستشارات النفسية.
يمكن تحديد الفرق بين كل من الذكاء الإنسانى والذكاء الاصطناعى فى قدرة الإنسان على اختراع واستحداث أى نموذج، بينما الكمبيوتر يحاكى نموذج الإنسان الذى سبق استحداثه. وقدرة الإنسان على توظيف أشكال متعددة من العمليات الذهنية.. على غرار: الاختراع والابتكار والتطوير والاستنتاج، بينما الكمبيوتر تقتصر استنتاجاته المحدودة حسب القوانين والقواعد المتعارف عليها التى تتضمنها برامجه وتطبيقاته.
كما يعمل الإنسان لعدد ساعات محدد.. ثم يحتاج إلى الراحة لاستكمال عمله بلياقة وكفاءة، بينما الكمبيوتر ونظام الذكاء الاصطناعى.. يستطيع أن يعمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع دون أن تنخفض معدلات أدائه. ويمكن للإنسان أن يخطأ فى أداء الأعمال اليدوية لأسباب عديدة، بينما الذكاء الاصطناعى.. يمكنه أن يقوم بأداء الأعمال اليدوية المتكررة والنمطية دون أخطاء. كما يمكن للإنسان تحليل البيانات على مدار أيام طويلة، بينما يستطيع الذكاء الاصطناعى تحليل نفس درجة البيانات بشكل أسرع لا يستغرق دقائق وربما ثوانى.
وبقدر ما يتسم به الذكاء الاصطناعى من فوائد لا حصر لها للإنسانية، فإن له مخاطر كبيرة
يجب الحذر منها.
على المستوى الفكرى: بالتلاعب بالرأى العام من خلال سرد قصص ومعلومات مدعومة بالصور والفيديوهات.. سواء كانت مغلوطة أو ملفقة أو مضللة أو مركبة.. لدرجة خلق انطباع وشعور زائف بحقيقتها، وهو ما من شأنه أن يكون له صدى واسع فى تعزيز الصوامع الإيديولوجية و«غرف الصدى»، التى تثير الذعر والزعزعة للأنظمة السياسية والمالية والاقتصادية. وذلك على غرار مقطع الفيديو الذى ظهر فى شهر مارس ٢٠٢٣ يظهر فيه الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى.. يستسلم للقوات الروسية، ما تسبب فى بلبلة ضخمة حتى ثبت دم صحته.
على المستوى النفسى: ربما يتسبب فى تدهور حالة الصحة النفسية لدرجة الاكتئاب.. لمن يعمل فى أماكن.. تستخدم التكنولوجيا بشكل موسع، فينعدم التفاعل الاجتماعى بسبب حالة العزل داخل المكاتب مع كمبيوترات وروبوتات. بالإضافة، إلى التهديد الذى تمثله أنظمة الذكاء الاصطناعى المتطورة لبعض المهن والأعمال، وما يترتب عليه من تهديد بسبب مخاوف الفصل من العمل نتيجة إحلال الكثير من الوظائف بالذكاء الاصطناعى، كما شهدنا بعد انتهاء وباء كورونا تحديدًا، فضلًا عن بدء ظهور ما يمكن أن نطلق عليه «إدمان الذكاء الاصطناعى» بسبب الإفراط فى استخدامه. وهو ما جعل البعض يحذر من تلك المخاطر لدرجة المطالبة بأن يصبح الاهتمام بها له الأولوية الدولية على غرار الأوبئة.. لمواجهة خطر الانقراض الإنسانى بسبب سيطرة الكمبيوتر على حياتنا. وبعيدًا عن عدم التعمد والابتزاز الإلكترونى، يؤخذ فى الاعتبار، أنه يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعى أن تنشر معلومات مغلوطة عن غير قصد.. نتيجة لهلوسات الذكاء الاصطناعى.
نقطة ومن أول السطر..
نحن إزاء برامج وتطبيقات رقمية.. لا تمل أو تتعب أو تمرض أو ترتاح أو تتذمر أو تتمرد أو تعترض أو تخالف.. أوامر العمل ووقته الذى لا ينتهى. وهو ما يترتب عليه تحدى شغف العلماء فى المزيد من الاختراعات والابتكارات والحلول والرؤى غير المسبوقة.. مع كل الاحتفاظ بالسياق الأخلاقى الإنسانى.. وانتهاج مبدأ «أنسنة الرقمنة» و«أنسنة الذكاء الاصطناعى» لصياغة إطار من الأخلاقيات لكل ما يمس الذكاء الاصطناعى فى الطب والقانون والهندسة لتحصين ما سيصدر عنه خاصة فى الحروب وتحديد استخدام الأسلحة المناسبة حسب الزمان والمكان، بشكل أكثر فتكًا للانتصار فى الحروب.
نقلا عن المصرى اليوم