محرر الأقباط متحدون
تحتفل الكنيسة في التاسع عشر من تشرين الأول أكتوبر المقبل باليوم العالمي التاسع والتسعين للرسالات حول موضوع "مرسلو رجاء بين الأمم"، وقد صدرت هذا الخميس رسالة البابا فرنسيس للمناسبة التي سلط فيها الضوء على ضرورة أن يكون جميع المؤمنين بناةً للرجاء، مع التأكيد في الوقت نفسه على أهمية الصلاة بالنسبة لعمل الرسالة.

كتب البابا أن الشعار الذي اختاره لليوم العالمي للرسالات هذا العام يذكر المسيحيين، كأفراد وككنيسة، وجماعة المعمدين، بدعوتهم الأساسية، ألا وهي أن يكونوا، على خطى المسيح، رسلا وبناةً للرجاء، متمنيا للكل زمن نعمة مع الله الأمين الذي ولدنا ثانية في المسيح القائم من بين الأموات "لِرَجاءٍ حَيٍّ".

بعدها دعا الحبر الأعظم، خلال الاحتفال بالسنة اليوبيلية، إلى توجيه الأنظار نحو المسيح، الذي هو محور التاريخ، والذي هو هو أمس واليوم وإلى الأبد. وقد أظهر نفسه على أنه المُرسل من قبل الآب بمسحة الروح القدس ليحمل بشرى ملكوت الله السارة وليعلن "سَنَةَ رِضًا عِندَ الرَّبّ" للبشرية كلها. ولفت البابا إلى أن الرب كان متتم الخلاص للجميع، لاسيما للذين رجاؤهم الوحيد هو الله، وقد أعاد إلى المحتاجين والشعب الرجاء في الله. واختبر كل الضعف البشري، ما عدا الخطيئة، ومع ذلك أوكل يسوع كل شيء إلى الله الآب، فأطاع بثقة كاملة مخططه الخلاصي من أجل البشرية، وهو مخطط سلام لمستقبل مليء بالرجاء. وهكذا صار الرب مرسل الرجاء الإلهي.

وشدد فرنسيس بعدها على أن الرب يستمر في خدمته رسولا للرجاء بواسطة تلاميذه، المرسلين إلى جميع الأمم، وهو ينحني اليوم أيضا على كل إنسان فقير أو متألم أو محبط أو الذي غلبه الشر. والكنيسة تواصل هذه الرسالة. ورغم ما تواجهه من اضطهادات، وضيقات، وصعاب، ومن عيوب وزلات بسبب ضعف أعضائها، تدفع الكنيسةَ محبةُ المسيح لتسير متحدة به في هذه المسيرة الإرسالية، ولتستقبل، مثله ومعه، صرخة البشرية، وأنين كل الخليقة في انتظار الفداء النهائي. من هذا المنطلق، كتب البابا، لا بد أن نشعر أن الله يلهمنا نحن أيضا لننطلق في مسيرة على خطى الرب يسوع، لكي نصير معه وفيه علامات ورسل رجاء للجميع، في كل مكان وظرف يمنحنا الله أن نعيش فيه.

بعدها أكد الحبر الأعظم أن المسيحيين مدعوون لأن يحملوا البشرى السارة بمشاركتهم ظروف الحياة الواقعية للذين يلتقون بهم، فيصيرون بذلك حاملي الرجاء وبُناته. ولفت فرنسيس إلى أنه يفكر بنوع خاص بالمرسلين والمرسلات إلى الأمم، الذين تبعوا دعوة الله وذهبوا إلى شعوب أخرى لتعريفهم بمحبة الله في المسيح. وأضاف أن حياة هؤلاء الرجال والنساء هي جواب عملي لدعوة المسيح القائم من بين الأموات، الذي أرسل تلاميذه ليبشروا جميع الشعوب، وهم يذكروننا بدعوة جميع المعمدين ليصيروا، بقوة الروح القدس وبالتزام يومي، مرسلين بين الشعوب يحملون إليهم الرجاء الكبير الذي منحنا إياه الرب يسوع.

هذا ثم لفت الحبر الأعظم إلى أن أفق هذا الرجاء يتجاوز واقع هذه الدنيا الزائلة وينفتح على الحقائق الإلهية. كما أن الجماعات المسيحية، وإذا ما انتعشت بهذا الرجاء الكبير، يمكنها أن تكون علامات لإنسانية جديدة في عالم يُظهر في أكثر القطاعات تطورا، أعراضا خطيرة لأزمة في الإنسانية، شأن الشعور بالضياع، والوحدة وإهمال كبار السن، والصعوبة في وجود من يقدم المساعدة للذين يعيشون بقربنا.

في هذا السياق شدد البابا على ضرورة الاهتمام بالفقراء والضعفاء والمرضى والمسنين والمهمشين من قِبَل المجتمع المادي والاستهلاكي، وأن يتحقق ذلك بأسلوب الله، أي بالقرب، والرحمة، والحنان، والاهتمام بالعلاقة الشخصية مع الإخوة والأخوات. وبهذا نختبر أن "قلب المسيح هو النواة الحية للبشارة الأولى" وإذا ما استقينا من هذا المصدر، يمكننا أن نقدم الرجاء الذي قبلناه من الله، وأن نحمل إلى الآخرين التعزية نفسها التي يعزينا الله بها.

تابع البابا رسالته مسلطا الضوء على ضرورة أن يكوّن تلاميذ المسيح أنفسهم ليصيروا "بُناةَ" رجاء ومرممين للإنسانية الممزقة. ومن الأهمية بمكان أن نجدد فينا الروحانية الفصحية، التي نعيشها في كل احتفال إفخارستي، لاسيما في الثلاثية الفصحية، التي هي مركز وقمة السنة الليتورجية. وذكر فرنسيس المؤمنين بأننا معمَّدون في موت وقيامة المسيح الفادي، وفي فصح الرب يسوع الذي هو ربيع التاريخ الأبدي. ومن الأسرار الفصحية نستمد باستمرار قوة الروح القدس بالغَيرَة، والإصرار، والصبر، للعمل في حقل إعلان البشارة الواسع في العالم.

وأشار البابا إلى أن مرسلي الرجاء هم رجال صلاة ونساء صلاة، لأن "الإنسان الذي يرجو هو إنسان يصلي"، ولأن الصلاة هي أول عمل في الرسالة، وهي أيضا "القوة الأولى التي تسند الرجاء". من هذا المنطلق لا بد أن نجدد رسالة الرجاء انطلاقا من الصلاة. وعندما نصلي نُبقي شعلة الرجاء التي أشعلها الله فينا، حتى تصير نارا كبيرة، تُنير وتدفئ كل الذين من حولنا.

بعدها لفت البابا إلى أن البشارة بالإنجيل هي دائما عملية جماعية، وهي لا تنتهي بالبشارة الأولى والمعمودية، بل تستمر مع بناء الجماعات المسيحية، بمرافقة كل معمد في مسيرته على طريق الإنجيل. كما أن العمل الإرسالي هو مهمة تتطلب شركة في الصلاة والعمل. ختاماً حث فرنسيس جميع المؤمنين على المشاركة بشكل فاعل في رسالة إعلان بشارة الإنجيل من خلال شهادة حياتهم وصلواتهم وتضحياتهم وكرمهم. وتمنى البابا أخيرا أن يتمكن نور الرجاء المسيحي من بلوغ كل إنسان، كرسالةٍ لمحبة الله الموجهة للجميع.