محرر الأقباط متحدون
تحتفل الكنيسة هذا السبت، كما في الثامن من شباط فبراير من كل عام تزامنا مع عيد القديسة باخيتا، باليوم العالمي للصلاة والتأمل ضد الاتجار بالبشر، والذي وصل هذا العام إلى نسخته الحادية عشرة ويُحتفل به حول موضوع "سفراء رجاء: معاً ضد الاتجار بالأشخاص". للمناسبة كتب البابا فرنسيس رسالة سلط فيها الضوء على الحاجة إلى تجاوب عالمي وإلى جهد مشترك على المستويات كافة بغية التصدي لهذه الآفة.

استهل الحبر الأعظم رسالته معرباً عن سعادته للانضمام إلى جميع الأشخاص المشاركين في هذا الحدث العالمي، وذكّر بأن يوم الصلاة والتأمل ضد الاتجار بالبشر يتزامن مع الاحتفال الليتورجي بعيد القديسة جوزيبينا باخيتا، الراهبة السودانية التي وقعت – منذ نعومة أظافرها – ضحية الاتجار بالبشر وأصحبت رمزاً للالتزام ضد هذه الظاهرة الرهيبة. ودعا البابا المؤمنين، في هذه السنة اليوبيلية، إلى السير معاً، كحجاج رجاء، على درب التصدي للإتجار بالأشخاص.

في الرسالة التي حملت تاريخ الرابع من شباط فبراير الجاري وصدرت هذا الجمعة، تساءل فرنسيس كيف نستطيع اليوم أن نستمر في تغذية الرجاء إزاء هذا الشكل الجديد من العبودية الذي يكبّل ملايين الأشخاص، من نساء وأطفال وشبان ومهاجرين ولاجئين؟ وتساءل أيضا أين يمكن أن نجد دائماً اندفاعاً متجدداً للتصدي للاتجار بالأعضاء والأنسجة البشرية، ولاستغلال القاصرين جنسياً وللعمل القسري، بما في ذلك الدعارة، فضلا عن الاتجار بالمخدرات والأسلحة؟ كيف يمكننا أن نشهد هذه الظواهر في العالم دون أن نفقد الرجاء؟

وأجاب الحبر الأعظم على هذه التساؤلات مؤكداً أننا من خلال رفع الأنظار نحو المسيح، الذي هو رجاؤنا، نستطيع أن نجد القوة الضرورية من أجل التزام متجدد فلا نستسلم للمشاكل والمآسي، بل نعمل وسط العتمة على إضاءة شعلاتِ نورٍ، تتحد مع بعضها البعض لتتمكن من إنارة الليل بانتظار بزوغ الفجر.

بعدها لفت البابا فرنسيس إلى أننا نجد مثالاً يُحتذى به لدى الشبان الملتزمين – في أنحاء العالم كافة – في التصدي للاتجار بالبشر. ويقول لنا هؤلاء إنه لا بد أن نصبح سفراء للرجاء وأن نعمل معاً بمثابرة ومحبة، وأن نقف إلى جانب ضحايا هذه الظاهرة والناجين منها. واعتبر الحبر الأعظم أننا نستطيع، بعون الله، أن نتفادى الهزيمة من قبل الظلم، وأن نبتعد عن تجربة التفكير بأن بعض الظواهر لا يمكن التغلب عليها والتخلص منها.

وأكد البابا في هذا السياق أن روح الرب القائم من الموت يعضدنا في تعزيز مبادرات تهدف إلى إضعاف ومواجهة الآليات الاقتصادية والإجرامية التي تجني الأرباح من الاتجار بالبشر ومن الاستغلال. كما أن روح الرب يعلمنا، قبل كل شيء آخر، أن نصغي، بقرب ورأفة، إلى الأشخاص الذين اختبروا الاتجار بالبشر، من أجل مساعدتهم على الوقوف مجدداً، والبحث معهم عن السبل الفضلى لإنقاذ أشخاص آخرين وقعوا ضحية هذه الظاهرة، وللوقاية منها.

مضى البابا إلى القول إن الاتجار بالبشر هو ظاهرة معقدة تتطور باستمرار وتتغذى من الحروب والصراعات والمجاعات ومن نتائج التبدلات المناخية. ولهذا السبب إن مكافحتها تتطلب تجاوباً عالمياً، وجهداً مشتركاً على جميع المستويات. من هذا المنطلق، شجع الحبر الأعظم الجميع – خاصاً بالذكر ممثلي الحكومات والمنظمات الناشطة على هذا الصعيد – على الاتحاد مع الكنيسة والمؤمنين، تحركهم الصلاة، من أجل تعزيز مبادرات تدافع عن الكرامة البشرية وبغية القضاء على ظاهرة الاتجار بالبشر بجميع أشكالها، ومن أجل إرساء أسس السلام في العالم.

هذا ثم أشار فرنسيس إلى أننا نستطيع معا، وبشفاعة القديسة باخيتا، أن نبذل جهداً كبيراً وأن نوفر الظروف الملائمة للقضاء على الاتجار بالبشر والاستغلال، وكي يسود احترام حقوق الإنسان الأساسية، في إطار الاعتراف الأخوي بالجماعة البشرية.

في ختام رسالته لمناسبة اليوم العالمي للصلاة والتأمل ضد الاتجار بالبشر وجه البابا فرنسيس كلمة امتنان إلى جميع الأخوة والأخوات المشاركين في هذه المبادرة، وشكرهم على شجاعتهم ومثابرتهم في العمل، بالتعاون مع العديد من الأشخاص ذوي الإرادة الصالحة. وطلب من الجميع متابعة السير قدماً يدفعهم رجاؤهم في الرب الذي يسير معهم. هذا ثم منح الحبر الأعظم الكل بركاته الرسولية طالباً من الجميع أن يصلوا من أجله.

ظاهرة الاتجار بالبشر في العالم
لظاهرة الاتجار بالبشر أبعادٌ تشبه إلى حد بعيد الاتجار بالأسلحة والمخدرات، لكنها تحمل في طياتها تأثيراً مباشراً مدمراً على حياة الأشخاص. تقدّر الأمم المتحدة عدد ضحايا هذه الآفة بخمسين مليون شخص على المستوى العالمي. ومما لا شك فيه أن من يعانون أكثر من غيرهم هم النساء والأطفال والمهاجرون واللاجئون. ثلث الضحايا هم من الأطفال، فيما تشكل النساء والفتيات تسعة وسبعين بالمائة من ضحايا الاستغلال الجنسي.

أما عدد من يُجبرون على الهجرة فيقدر بمائة وعشرين مليونا، وهم أشخاص تحملهم الحروب والصراعات وأعمال العنف وأوضاع الفقر والكوارث البيئية على ترك ديارهم، ما يعرضهم لخطر الوقوع في شباك المتاجرين بالبشر خصوصا وأنهم يلجأون إلى عصابات إجرامية بهدف السفر من بلد إلى آخر.