الأب رفيق جريش
المجتمع الدولى فيما يخص غزة والعلاقة مع إسرائيل والبلاد العربية تمر بمرحلة تخبط، خاصة مع تصريحات الرئيس الأمريكى التى تتموج كل يوم بل كل ساعة حول مستقبل غزة، ولكن السياسة المصرية راسخة كالصخر ولا تحيد، خاصة بعد الموقف الحاسم الذى اتخذته مصر برفض وإدانة التصريحات الإسرائيلية غير المسؤولة التى تمس سيادة المملكة العربية السعودية، وتطالب بإقامة دولة فلسطينية على أراضى المملكة، أو فكرة تهجير الغزاويين إلى بلاد أخرى، فالأمن القومى العربى كل لا يتجزأ، ومصر تدعم أشقاءها من الدول العربية التى تواجه تحركات ومخططات تآمرية.
ومن دون شك، فإن هذه التصريحات تكشف عن التوجهات التى يتبناها الائتلاف اليمينى الحاكم فى إسرائيل بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مدعومة من الرئيس الأمريكى ترامب، والذى يسعى إلى استغلال أى فرصة من أجل تصفية القضية الفلسطينية، خاصة بعد أن تصدرت هذه القضية اهتمام العالم أجمع، كأحد انعكاسات ٧ أكتوبر والحرب التدميرية غير الإنسانية التى شنتها إسرائيل فى قطاع غزة على مدى أكثر من ١٥ شهرا، والتى ارتكبت فيها انتهاكات غير مسبوقة لحقوق الإنسان، وتسببت فى أزمة إنسانية قلما نجدها فى التاريخ.
تحركات مصرية عبر قنوات متعددة لمنع تهجير الفلسطينيين أجراها وزير الخارجية د. بدر عبدالعاطى خلال الأيام القليلة الماضية شملت اتصالات مع وزراء خارجية الولايات المتحدة الأمريكية من جهة ودول عربية متعددة من جهة أخرى للتشاور بشأن عقد قمة عربية طارئة وتأكيد ثوابت الموقف العربى الرافض لأى إجراءات تستهدف تهجير الشعب الفلسطينى من أرضه أو تشجيع نقلهم إلى دول أخرى خارج الأراضى الفلسطينية.
كما تواصل مصر جهودها لضمان استدامة اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة وتنفيذ جميع بنوده بمراحله الزمنية الثلاث، وتبادل إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين ونفاذ المساعدات الإنسانية بوتيرة متسارعة، وتأكيد دعم ومساعى الأونروا للمضى قدما فى مشروعات إعادة الإعمار، فضلا عن ذلك فإن أى تصورات لليوم التالى فى غزة يجب أن تكون فى إطار وحدة الضفة الغربية وقطاع غزة وأن تشمل عودة السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع. وثالث تلك الجهود يتمثل فى الاتصالات التى تجريها القيادة السياسية والمؤسسات المصرية، لتأكيد ضرورة السعى نحو التوصل لحل سياسى دائم وعادل للقضية الفلسطينية يتمثل فى إقامة دولة فلسطينية مستقلة على خطوط ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية.
النتيجة، توظف مصر طبيعة اللحظة الراهنة لتأكيد ضرورة الإجماع العربى على رفض المساس بثوابت القضية الفلسطينية، وأهمها بقاء الشعب الفلسطينى على أرضه، وعدم سلبه حقه فى تقرير مصيره، كما أن مصر وأشقاءها من الدول العربية والقوى الدولية الداعمة للحقوق الفلسطينية لن تسمح بتكرار نكبتى ١٩٤٨ و١٩٦٧ مرة أخرى تحت دعاوى الخروج الطوعى أو القسرى.
من هنا، يمكن القول إن المواقف الراسخة كالصخر التى تتبناها مصر والدول العربية إزاء هذه المخططات توجه رسائل مباشرة إلى كل القوى المعنية بما يجرى على الساحة الإقليمية، لا سيما فيما يتعلق بمرحلة ما بعد الحرب فى قطاع غزة، فى ظل القاعدة التى لا تحيد عنها مصر ولا الدول العربية والتى تقوم على أن الأمن القومى العربى كل لا يتجزأ، لذا بلادنا مدعوة لأن تُظهر للعالم كله، خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، وحدتها وسياستها تجاه الأشقاء الفلسطينيين.
نقلا عن المصرى اليوم