محرر الأقباط متحدون
لمناسبة الاحتفال بيوبيل الفنانين، بدءا من يوم غد السبت، سيتوجه البابا فرنسيس يوم الاثنين المقبل إلى استوديوهات شينيشيتا السينمائية في روما، ليكون أول حبر أعظم تطأ قدماه هذا الصرح الفني العريق، الذي شهد تصوير أفلام كثيرة ساهمت في صناعة الفن السابع. ومما لا شك فيه أن للبابا رباطاً وثيقاً يجمعه بالسينما، يرتكز إلى الكثير من الذكريات الشخصية واللقاءات مع الفنانين، بالإضافة إلى اقتباسات من أفلام وخبرات عاشها في مواقع التصوير.
بالنسبة للبابا فرنسيس السينما هو فضاء للذكريات، ومشغل للإبداع في الوقت نفسه. وكي ندرك جيداً اهتمام خورخيه بيرغوليو بفن السينما، لا بد أن نتخيّله طفلاً، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، عندما كان يشاهد، برفقة والديه، عروضاً لأفلام إيطالية من التيار الواقعي الجديد، وهذه الأفلام تركت بصمة هامة في مخيلته ما تزال ترافقه لغاية اليوم.
عن هذا الموضوع تحدث البابا فرنسيس في أكثر من خطاب، إذ قال مرة إنه عندما كان طفلاً كان يذهب برفقة والديه لمشاهدة الأفلام، التي ساهمت في صقل قلبه. وأكد أن الفن السابع ساهم، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، في إعادة اللحمة إلى النسيج الاجتماعي، متطرقاً إلى القوة العاتية التي تتمتع بها الشاشة الكبيرة والتي تتمثل في الشركة والإبداع والرؤية.
وأضاف أنه بعد الحرب غصت الكثير من القاعات والصالات بأشخاص شاهدوا الأفلام نفسها وتقاسموا الآمال والتطلعات، وتمكنوا من الهروب من قلقهم ومن الصعوبات اليومية. كما أن تلك اللحظات كانت أيضا تربوية إذ ساهمت في استعادة العلاقات التي تلاشت بسبب المآسي المعاشة. ويرى فرنسيس أيضا أن السينما يشكل مناسبة للحديث مجدداً عن الجمال، وهذا ما قاله في خطاب وجهه إلى العاملين في عالم الاستعراض في شباط فبراير ٢٠٢٣ إذ عبر عن إعجابه بالنشاط الذي يقومون به، نشاط السينما والفن، نشاط الجمال كتعبير كبير عن الله، هذا الجمال الذي هو تناغم وهو عمل الروح القدس.
اللافت أن البابا فرنسيس وفي تعاليمه، يتطرق غالباً إلى مشاهد وقصص عُرضت على الشاشة الكبيرة، ففي مقابلة أجراها معه الأب سبادارو في آب أغسطس ٢٠١٣، أشار إلى أن فيلم La Strada للمخرج الإيطالي فيلّيني قد يكون الأحبّ على قلبه، مضيفا أنه شاهد كل أفلامه عندما كان في العاشرة أو في الثانية عشرة من العمر. ولفت إلى أنه أحب كثيراً فيلما آخر هو Roma Città Aperta "روما مدينة مفتوحة".
وقد ظهر حب البابا للواقعية الجديدة في المقابلة التي أجراها معه المونسينيور داريو فيغانو عام ٢٠٢١ إذ اعتبر أنه من الجميل أن نكتشف من خلال السينما أهمية التربية على النظرة الطاهرة. تماما كما فعلت أفلام الواقعية الجديدة، مشيرا إلى أن هذا النمط السينمائي كان تربية للعيون، تغيّر قصر نظرنا وتقرّبنا أكثر من نظرة الله. وقد كتب مرة الحبر الأعظم أنه يحبّ فناني الـ"تراجيديا" لأننا نستطيع جميعا أن نتماهى معهم، وكأنهم تعبير عن مآسينا. وأضاف البابا أنه عندما نبكي بسبب ما يصيب الأبطال، نبكي في الواقع على أنفسنا، على فراغاتنا، على شوائبنا، وعلى وحدتنا.
علاقة البابا فرنسيس مع عالم الفن السابع أغنتها كثيرا لقاءات عقدها وحوارات أقامها مع عدد كبير من السينمائيين. ففي مقابلة مع مدير صحيفة أوسيرفاتوريه رومانو الفاتيكانية، أندريا موندا، قال المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي إنه عندما يفكر بالبابا فرنسيس "أول ما يأتي إلى ذهنه هو الرأفة". ومما لا شك فيه أن ثمة تقديرا كبيرا يربط بين الرجلين، وقد أعلن سكورسيزي مؤخراً أنه تجاوب مع نداء وجهه البابا إلى الفنانين، مضيفا أنه ينوي تصوير فيلم عن حياة يسوع، مقتبس من رواية للكاتب الياباني شوزاكو إندو.
هذا وتبقى حية في الأذهان ذكرى مشاركة السينمائي الإيطالي الشهير روبترو بنينيي في لقاء اليوم العالمي للأطفال العام الماضي، وقد تمكن من حمل البابا على الضحك، بسبب روحه المرحة، خصوصا عندما طلب من الحبر الأعظم أن يرقص رقصة التانغو. ولقاءات البابا مع الفنانين والممثلين لم تنته عند هذا الحد إذ يمكن أن نشير، على سبيل المثال، إلى المقابلة التي جمعت الحبر الأعظم مع مائتي فنان، في شهر حزيران يونيو ٢٠٢٣ وتلك التي شارك فيها فنانون كوميديون، إيطاليون وعالميون، العام الماضي.