الراهب القمص يسطس الأورشليمى
عضو إتحاد كتاب مصر
شهدت منطقة الفرما تجمع رهباني كبير بدا مع بداية الرهبنة القبطية . وكان هؤلاء الرهبان تلاميذ للراهب هيلاريون الذي اتخذ من براري غزة مكان لعبادته . وكان من أشهر الرهبان الأوائل الذين أسسوا أديرة هذه المنطقة هو الراهب ايسذوروس الفرمى ، الذي كان على درجة كبيرة من التقوى ، وكان له علاقة قوية مع الأنبا انطونيوس
فى اليوم العاشر من شهر أمشير تنيح القديس الناسك العالم الانبا ايسيذورس الفرمى، ذلك الناسك اللاهوتي الشهير وذلك المدبر الحكيم ، وقد ولد في الإسكندرية من عائلة كبيرة ، وكان له دراسة كبيرة في كل العلوم والفلسفات والمنطق ، وقد ترهبن في الصعيد على يد الباخوميين ، وعاش قليلا في نيترا . ولكنه اختار البيلوزيم لكي يعيش متنسكا هناك ، وكان مسلكه الرهبانى إنجيليا صرفا ، معتبرا أن الراهب إنسان يقتدي حرفيا بالمسيح ، كان ابواه من أغنياء مصر ووجوهها وكان قريبا للقديسين ثاوفيلس وكيرلس باباواى الاسكندرية ولم يكن له إخوة سواه فأدباه وعلماه كتب الكنيسة، ثم تعلم اللغة اليونانية وأتقنها وبرع فيها حتى فاق كثيرين ، وكان مع ذلك ناسكا متواضعا ، ولما علم ان اهل البلاد والأساقفة عازمين على تقدمته بطريركاً على رأس الكرسى المرقسى، هرب ليلا إلى جبل الفرما وترهب فى دير هناك، ثم انتقل منه إلى مغارة صغيرة وأقام بها وحده عدة سنوات وقد وضع فى أثناءها عدة كتب أكثرها عن الملوك والرؤساء، وشرح كتب كثيرة عن العهدين القديم والجديد وقد وجد فى بعض كتب السير ان عدد الرسائل التى أرسلها الى البطاركة والأساقفة وغيرهم يبلغ ثمانى عشر ألف رسالة، وكانت مواهب الروح القدس تتدفق عليه وقد رسمه الأسقف امونيوس ( الذي من نيترا ) كاهنا . وكان يكره تزيين الكنائس ، فيقول أن المسيح جاء على الأرض ليبنى نفوسا وليس حوائط ، والكنيسة الحقيقية هي التي تزين بالنعمة ، وليست التي تزين بالرخام النادر ، وتبقى عارية من المواهب الروحية ( رسالة 2 ــ 246 ، رسالة 2 ــ 88 )
و لما وصل إلى شيخوخة صالحة مرضية انتقل إلى الرب.وقد ترك أربع مجلدات ضخمة تحوى ألفين رسالة مطولة ، في كافة نواحي الإرشاد والتوجيه لكافة المستويات من بطاركة وملوك ومطارنة ورهبان . وقد تنيح هذا المعلم سنة 450 م ، وعندما توفى استلم رئاسة الرهبنة تلميذه وكاتب سيرته ابيفانوس . وليس هناك من المصادر ما يدلنا على مصير هذا الدير بعد نياحته ، ويعتقد أنه زال بعد عام 1118 حين استولى الصليبين على المدينة واحرقوها.
أقوال القديس إيسوذور الفرمى (البيلوزيوم)
قال الأب إيسوذور الذي من البيلوزيوم: ”أن تعيش بدون كلام أفضل من أن تتكلم بدون حياة. لأن الأول الذي يعيش بالصواب يفعل خيرًا حتى بصَمْته، أما الآخر فهو لا يفعل خيرًا حتى عندما يتكلم. وعندما يتطابق الكلام والحياة كل منهما مع الآخر فهما يكونان معًا الفلسفة (محبة الحكمة) الكلية.
وقال أيضًا: ”بجِّل الفضائل ولا تكن عبدًا للمجد، لأن الأمر الأول غير مائت، بينما أن الآخر يضمحل سريعًا“.
وقال أيضًا: ”كثيرون يشتهون الفضيلة، ولكنهم يخافون أن يسيروا في الطريق التي تؤدّي إليها. في حين أن آخرين يعتبرون أن الفضيلة غير موجودة. فمن الضروري أن نحث الأولين أن يتخلّوا عن كسلهم، ونعلّم الآخرين ماذا تكون الفضيلة حقًا“.
وقال أيضًا: ”الرذيلة تُبعد الناس من الله وتفصلهم الواحد عن الآخر. فيجب أن نبتعد عنها سريعًا ونتبع الفضيلة التي تقود إلى الله وتوحدنا بعضنا مع بعض. وإن تعريف الفضيلة والفلسفة (محبة الحكمة) هو: البساطة مع التعقُّل“
وقال أيضًا: ”عظيمةٌ هي قمم الاتضاع، وهكذا أيضًا أعماق التباهي، وأنا أنصحكم أن تنتبهوا للأولى وألاّ تسقطوا في الثانية“
وقال أيضًا: ”شهوة الممتلكات خطرة وبغيضة، فهي لا تعرف شبعًا، وهي تجذب النفس التي تتسلّط عليها إلى قمم الشر. ولذلك فلنطرحها عنا بقوة من البداية، لأنها بمجرد أن تسود علينا لا يمكن التغلُّب عليها“
قيل عن أخ كان يسكن في طورسينا وكان بستانيًا، وأراد في أحد الأيام أن يذهب إلى دير، فقال للأخ الكاتب الذي كان يسكن بجواره: ”اصنع محبة يا أخي واهتم بالبستان إلى وقت مجيئي“. فقال له الأخ: ”صدقني إنه على قدر طاقتي لن أتوانى عنه“. ولما ذهب الأخ قال في نفسه: ”يا مسكين، لقد وجدت خلوةً فاهتم بالبستان“. ثم انتصب في تأدية قانونه من المساء إلى الصباح، ولم يفتر عن الترنم مصلّيًا بدموع، ومكث على هذه الحالة طول النهار لأنه كان يوم الأحد المقدس.
فلما جاء الأخ البستاني عند المساء وجد البستان قد أفسدته القنافذ. فقال له: ”يا أخي، غفر الله لك، لأنك لم تهتم بالبستان“. فقال له: ”يا معلّم، يعلم الله أنني بذلتُ كل قوتي وحفظته، إلاّ أن الله قادر أن يعطينا ثمرًا من هذا البستان الصغير“. فقال له الأخ: ”صدقني يا أخي لقد تلف كله“. فقال له الكاتب: ”علمتُ ذلك، إلاّ أنني واثق بالله أنه قد أزهر أيضًا“. فقال له البستاني: ”هلم نسقي“. فقال له: ”انطلق أنت اسقِ في النهار وأنا أسقي في الليل“.
ولما حدث قحط اغتمّ البستاني وقال لجاره: ”صدقني يا أخي، إن لم يعيننا الله فلن يكون لنا هذا العام ماء“. فقال له الكاتب: ”الويل لنا يا أخي، إن نشفت ينابيع البستان فبالحقيقة لن يكون لنا خلاص أيضًا“، وكان يقصد بذلك ينابيع الدموع. ولما حانت وفاة هذا المجاهد القديس سأل البستاني جاره: ”اصنع محبة ولا تقُل لأحد إنني مريض، لكن اثبت اليوم عندي ههنا، وإذا انصرفتُ إلى الرب فاحمل أنت جسدي واطرحه عاريًا في البرية لتأكله الوحوش والطيور لأنه أخطأ قدام الله كثيرًا ولا يستحق أن يُدفَن“! فقال له البستاني: ”صدقني يا معلم، إن نفسي لَتكره ذلك“. فأجابه قائلاً: ”لا تخالفني في ذلك وأنا أعطيك عهدًا إن سمعتَ مني فيما طلبته منك واستطعتُ أنا أن أنفعك لَنفعتك“. وبعد وفاته عمل بما أمره به وطرح جسمه في البرية عاريًا لأنهما كانا مقيمين في مكان يبعد عن الدير عشرين ميلاً يُقال له: "معنامر".
وفي اليوم الثالث ظهر له الأخ الذي انصرف إلى الرب في النوم وقال له: ”يا أخي، يرحمك الله كما رحمتني، صدّقني أن رحمةً عظيمة رحمني بها الله بسبب بقاء جسدي بدون دفن وقال لي: ’لأجل تواضعك الكثير أمرتُ أن تكون مع ق. أنطونيوس‘! وطلبتُ منه عنك أيضًا، لكن اترك البستان واهتم بالبستان الآخر، لأنني في وقت خروج نفسي كنتُ أرى دموع عينيّ تخمد النار التي شارفتُ على أن أمضي إليها“
أخبروا عن أخ حريص على خلاصه أنه جاء إلى الغربة، فأقام في قلاية لطيفة في طورسينا. ولما جلس في اليوم الأول وجد على خشبة صغيرة كلامًا كان قد كتبه أخٌ كان فيما مضى يعيش هناك وهو يقول: ”أنا موسى بن تادرس قد حضرتُ وشهدت“! فكان الأخ في النهار يضع هذه الخشبة أمامه ويسأل نفسه عمن كتب ذلك قائلاً: ”أيها الإنسان، ليت شعرى، أين أنت الآن لأنك قلتَ إنك حضرتَ وشهدت؟ تُرى أين اليد التي كتبت ذلك؟ تُري هي في أي عالم في هذه الساعة“؟ وكان يفعل ذلك طول النهار متذكِّرًا الموت وثابتًا في النحيب والبكاء.
وكانت صناعته خطّاطًا، ثم أخذ من الإخوة ورقًا لكي يكتب لهم تذكرةً. ولكنه مات ولم يكتب لأحد منهم شيئًا، بل كتب في ورقة ونسخ منها لكل واحد منهم قائلاً: ”اغفروا لي أيها الإخوة سادتي، فإنه كان لي عمل قليل مع مَنْ يخصّني، ولذلك لم أتفرّغ منه لأكتب لكم“وكان إنسان آخر ساكنًا في طورسينا، وكان يُظنّ به أنه يسلك سلوكًا حسنًا. وعجرفته الأحلام فتخيل أنه رُسم أسقفًا، فجلس وأخذ يعمل عمل الأساقفة
كان إنسان اسمه "اسطفان" سالكًا طريق النسّاك سكان البرية، وأقام في الصراع والتقشُّف سنين عديدة، وكانت قلايته في منحدر الجبل الذي سكنه إيليا (حوريب). وفي أواخر حياته صعد فوق الجبل في مواضع ليس فيها عزاء، وظلّ هناك مصلّيًا نائحًا متجمّلاً بجميع الفضائل. وفي مرضه الأخير، وقبل انتقاله بيوم شخص بعقله وعيناه مفتوحتين، والتفت يمينًا ويسارًا وكأن واحدًا يحاسبه والحاضرون يسمعونه. فكان مرةً يقول: ”نعم هذا صحيح“. ومرةً أخرى يقول: ”لا هذا كذب“. ومرةً ثالثة يقول: ”نعم، إلاّ أنني صُمتُ عوض ذلك وبكيتُ وتعبت“. وفي أمور أخرى يقول: ”نعم، وليس لي ما أقوله عن ذلك، ولكن رحمة الله كثيرة“. وفي أمور غيرها يقول: ”لا، هذا كذب لم أفعله“. وكان المنظر مبهرًا ومفزعًا. وعلى هذا الحال فارق الدنيا محاسَبًا. أما كيف كانت نهاية أمره فلم يُظهرها.
التقى سائح بسائح في برية سيناء فسأله: ”بماذا يكون الخلاص“؟ فقال: ”بالمعرفة بحقائق الأمور والعمل بحسب الحق“. فقال له: ”مَنْ لا يعرف لا يخلص“؟ قال: ”لا“. فقال: ”وما هي المعرفة“؟ فأجاب: ”أن يعرف العبد حقيقة خالقه وممّ خلقه، وماذا يكون مصيره. فإذا عرف ذلك لا يعصاه بل يعمل على إرضائه طوال حياته“. فقال: ”صدقت“. ثم انصرف.
أهم الكنائس المكتشفة بالفرما: ديرالعذراء بتل المخزن - الكنيسة الكبرى - المغارة - مدافن القديسيين - الكنيسة الشمالية - الكنيسة الدائرية ( روتندا ) - الكنيسة الجنوبية - لدير العذراء (شرق الفرما) . وهى مركز رهبانى كبير وأشهر محطات العائلة المقدسة في سيناء.