عادل نعمان
كان حوار كوميدى ساخر دار بينى وبين أحد هؤلاء المتأسلمين حول حريق كاليفورنيا والخراب والدمار الذى أصاب المدينة، وامتد الحوار بيننا إلى كوارث أخرى فى بلاد شتى اليابان والصين والهند وبلاد أوروبية وغيرها، فلا أمان ولا ضمانة هنا أو هناك، حين قال بثقة متناهية إن هذه الكوارث التى تصيب أهل الكفر أينما كانوا وحلوا، هى لفتة إلهية وآيات كونية لهؤلاء حتى يتبين لهم أن دين الإسلام هو الحق من ربهم، وتنبيه وتحذير أيضًا يقتضى الدخول فيه واللحاق بركبه قبل الرحيل أو يتحملون تبعات هذا الكفر، وهو نداء أيضًا إلى المسلمين بأن يحملوا على هؤلاء القوم بالقوة حتى يجبروهم جبرًا على الدخول فى دين الله، لأن الحجة قد تجلت والدليل قد انبثق والبرهان قد أشرق عليهم، ولا مبرر لديهم أن يدخلوا فى دين الله سلمًا، ولا عذر لنا أن نجبرهم على دخول الدين بالسيف إن اعترضوا، ولا مسوغ للإرجاء أو التاجيل!! وقد كنت أتصور أن صاحبنا يهذى، إلا أن الثقة الزائدة وإصراره قد مدا فى طول الحوار وأجله.. أكمل يا سيدنا!.

ويستكمل سيدنا وكله ثقة.. بأن كوارث وحرائق ومصائب دول الكفر إن لم تكن دافعًا وسببًا فى هجرتهم إلى الإسلام والتمترس خلفه، للنجاة فى الدنيا والآخرة، فإن من دواعى الرحمة بهم إعلان الحرب عليهم وقتالهم والانتصار عليهم ولهم وإلحاقهم بالدين الحق لسعادتهم فى الدنيا وما بقى لهم فيها، والآخرة وهى دار البقاء. ويستكمل «ولأن الناس لا تعرف سر هذا الفضل العظيم والنعيم المقيم، فقد أنكروه وتقولوا عليه واتهموه بالإرهاب وهو ليس كذلك، فإن قتال الكفر والكافرين ليس إرهابًا، لأن عقيدة الجهاد لإعلاء كلمة الدين ورفع رايته على العالمين تتفوق وتسمو على كل القيم الإنسانية من رحمة وحق وعدل، لأنه الرحمة المطلقة لمن يلحق به، والحق الساطع لمن غشى وعمى، والعدل الذى لا يعلوه عدل لمن أدركه وانتهى إليه، وهذا ما فهمه الأوائل فى حروبهم ضد الكفر والشرك، فدكت خيولهم بلادًا وأوطانًا، ودهست حوافرها صغارًا وكبارًا وشيوخًا ونساء، وكان تكبير الأسرى أعلى من صراخ القتلى، ونداء الإيمان يطغى على أنين الجرحى، وهذا ما وصل إليه الأعم من مشايخنا وعلى رأسهم شيخ الإسلام (إن كل من بلغته الدعوة إلى دين الله ولم يستجب لها فإنه يجب قتاله حتى لا تكون هناك فتنة ويكون الدين كله لله)، لحديث النبى: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله)».

وليس الأمر على هذا النحو الساذج، ما كذا يا سيدى تورد الإبل، أو تخاطب العقول، فإذا كانت مصائب وكوارث دول الكفر لفتة إلهية وآية كونية وذلك لمعرفة الدين الحق والدخول فيه، فماذا عن هذه اللفتة وهذه الآية التى نراها فى دول الإيمان وفى رحاب الدين الحق، فإذا كان ضحايا كارثة كاليفورنيا من الأرواح لا يزيدون على الثلاثين قتيلًا أو ضحية فقط، فإن ضحايا كارثة غزة يزيدون على السبعين ألفًا، والمصابون مائة ألف وتحت الأنقاض آلاف غيرهم، فماذا عن الفارق بين الآيتين؟ فإذا ما حاول البعض منهم الإجابة عن هذا السؤال قال إن محنة المسلم امتحان ويؤجر ويثاب على صبره، ومحنة الكافر تأديب وعقاب ولا يبرأ من شرها إلا إذا آمن واتقى، تكون الإجابة أكثر سذاجة من سابقتها، والسذاجة لها شكل واحد فهى تسير بين الناس دون دليل أو برهان، فإن الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير.

يا سيدنا الكريم إن الله لا يعذب العباد على الشرك بل يعذبهم على الظلم والطغيان، سواء كان الظالم مسلمًا أو مشركًا، فاسقًا أو زاهدًا، فاجرًا أو عابدًا، وينجو من العذاب العادل دون تقواه أو ورعه أو صلاته، فإن تقواه وورعه لنفسه وعدله لعموم خلقه، وتعال إلى قول ربنا «وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون» ولن نجد أروع من تفسير هذه الآية عند ابن عباس «إن الله لا يعذب على الشرك وإنما يعذب على الظلم» فمن ظلم هلك، ومن عدل نجا وأفلح. ولا نجد إجابة أصدق من هذه الإجابة، ولا بينة أقوى منها ولا عدلًا بين العباد يتفوق على هذا العدل، فليست الكوارث والمحن اختبارًا أو عقابًا، وليست بينة على صلاح دين أو فساد عقيدة، وليس هلاك أهل غزة امتحانًا أو اختبارًا، وليست الآيات البينات التى أصابت بلاد الكفر يا سيدى مبررًا لقتالهم، فإن أقدمتم على هذا هلكتم، كما هلك أهل غزة.

الدولة المدنية هي الحل.
نقلا عن المصرى اليوم