القمص يوحنا نصيف
+ عاش القدّيس إيسيذوروس الفرمي في النصف الثاني من القرن الرابع، والثلث الأوّل من القرن الخامس، وعاصر خمسة آباء بطاركة؛ بدايةً من ق. أثناسيوس البطريرك العشرين، حتّى ق. كيرلّس البطريرك الرابع والعشرين.
+ كان أبًا لرهبان منطقة الفرما (بجوار مدينة بورسعيد الحالية)، وكان دارسًا بعمق للأسفار المقدّسة، وقارئًا جيِّدًا لكتابات آباء الكنيسة في ذلك الوقت، وعاشِقًا لكتابات ق. يوحنّا ذهبي الفم.
+ لم يَكُن كاهِنًا، بل فقط سِيمَ شمّاسًا بيد البابا أثناسيوس. وكان له صلة قرابة بعائلة البابا كيرلّس السكندري، ويكبره في السنّ.
+ كان بمثابة "حكيم عصره"، واشتُهِر بكتابة الرسائل بغزارة للجميع، فقد ترك تُراثًا ضخمًا يزيد عن 2500 رسالة. لقد كان يكتب في كلّ المواقف، ولكلّ أنواع البشر. ومعظم رسائله عبارة عن فقرات قصيرة تلغرافيّة.
+ كان شاهِدًا جريئًا جدًّا في قول الحقّ، وأحيانًا يكون حادًّا في كلماته وأحكامه، وقد يَصِف الناس بأوصاف صعبة للغاية.
+ رسائله تكشف لنا عن العديد من الأحداث والأحوال الكنسيّة والسياسيّة والاجتماعيّة التي كانت في وقته.
+ أغلبيّة الذين أرسل لهم إيسيذوروس رسائلَ كانوا يُكاتبونه أيضًا، وهم الذين يطلبون إرشاده.
+ كان يكتب لإكليروس، وحُكّام، ومعلّمين، وكتَبة، وأطبّاء، وفلاسفة وثنيّين، وشُعَراء، وطُلاب، وقادة عسكريّين، وغيرهم.. وكان يكتب رسائله كما يرى أنّه لمجد المسيح أوّلاً وأخيرًا، بإعلان الحقّ والشهادة له.
+ اخترت في هذا المقال بعض المقتطفات الحكيمة من رسائله لأشخاص متنوِّعين، على أمل أن أضع مقتطفات أخرى، وتعليقاته على نصوص إنجيليّة، في مقالات قادمة بنعمة المسيح.
- المرء لا يساوي شيئًا لمجرّد أنّه يوجَد في الحياة، لذلك يجب عليك أن تعمل، ولا تكتفي بالتحدُّث فقط.
- الذين احتقروا الخلاص تمامًا، لن يفلتوا من الدينونة في المستقبل.
- دعونا لا نَعتَبِر شيئًا أفضل من المحبّة التي تربط الكلّ فيما بينهم، وتحفظهم في توافُق لخيرهم.
- لماذا تنزعج أنت، لمجرّد أنّهم شتموك؟ خصمك سوف يُجرَح -كما من سهمٍ- من طول أناتك، وغالبًا سوف يُغَيِّر تصرّفه ولسانه الخاطئ، ويعترف تائبًا بسببك، إذ صرتَ أنت سبب تغيّره.
- بالرغم من أنّك تُخفِي عيوبك، إلاّ أنّك تبدو متغطرِسًا ومتكبِّرًا جدًّا أكثر مِمَّا يَسمح لك أصلك وقوّتك وقيمتك. إذن، إمّا أن تكتسِب تصرُّفًا معتدلاً، أو تصير مثار سخرية الجميع.
- يجب عليك أن تُتَمِّم وعودك تجاه الربّ، وتعمل باعتناءٍ وتأهُّبٍ في كَرمِهِ. أجرتك سوف تُحفَظ في خزانته، فسوف يُعطِي كلّ واحدٍ بحسب تعبه.
- طريق الحياة الروحيّة لا يُنجَز بالأقوال، بل بالأعمال. إذن، إن كنتَ تهتمّ بالأمور الأبديّة، اترك للشرير عذوبة القول، واسْعَ لِفِعل الأعمال الصالحة.
- المكابرة لا تُدَمِّر فقط الأمور الحاضرة، بل تَطرُد الذين يرفعون الرقاب زهوًا من السماء عينها.
- أَسمعُ أنّك تدرس الكتب المقدّسة، وتستخدِم -بطريقة مناسِبة- شهادة هذه الكتب أمام الجميع، لكنّك طمّاع وتتآمَر على ثروات غيرك. أنت تُسَبِّب لي حيرة شديدة؛ كيف لم يَجرحك العشق الإلهي، بالرغم من دراستك الدائمة للكتب المقدّسة، لدرجة أنّك غيَّرتَ المقاصِد والتوجُّهات؟! لأنّ الله لم يمنعنا فقط من اشتهاء ما لا يخصّنا، بل نصحنا أن نوزِّع ما نملكه. إذن، إمّا أن تُدرِك ما تقرأه، وإلاّ فاقرأ ثانيةً.
- بما أنّ شمامسة المذبح المقدّس هم عيون الأسقف، وأنت رئيسهم بحسب نعمة الله، فيجب عليك أن تكون كلّك عينًا مثل الكائنات الملائكيّة.. لا تلوِّث المنبر الإلهي بالطمع، جامِعًا لنفسِك أموالاً عن طريق الرسامات.. توقَّف عن اكتناز الأموال بهذه الطريقة. توقّف عن إعداد المادّة الحارقة للنيران العتيدة!
- ليس فقط سلطانك له نهاية سريعة، بل حياتك أيضًا. لماذا إذن ترتكب أخطاء بدون أن تضع نهاية لهذه الأفعال، مُهَيِّئًا لنفسِك في ساعاتٍ قليلة جحيمًا أبديًّا؟
- غير مسموح برسامات بالأموال، ولا ينبغي أن تكون حياة المرشّحين مجهولة.
- لقد أنار الله الكاهن كأنّه مصباح، ووضعه في رتبة كأنّه على المنارة، لكي يضيء وينير الكنيسة بأقوال الحقّ وبالأعمال المتحرّرة من الظلام، حتّى يرى الناس أشعة النور المُحيي، ويتّجهوا ناحيتها، ويمجِّدوا أبا الأنوار.
- إن كنتَ تطلب ملكوت المسيح.. عليك أن تمزج السُّلطة بالوداعة، وأن تُخَفِّف ثقل الغنى [الذي لديك] مُوَزِّعًا إيّاه كما يجب.
- احرص مباشرةً على إقامة العدل.. لكي ترحمك المحكمة الإلهيّة.
- الحياة الحاضرة هي مثل خيمة، من طبيعتها أنّها بقدر ما يسهل نصبها يسهل طيّها.
- القول الذي يستهدف فائدة المستمعين هو قول مملوء بالقوّة.. يتشبّه بقول الله. لكنّ القول الذي يستهدف فقط سعادة المستمعين وينتهي بالتصفيق، هو صوت من نحاس، يملأ الأذن بأصواتٍ فارغة. إذن، إمّا أن تصيغ قولك بوقار، مُفَضِّلاً الاعتدال عن الأقوال الفخيمة، أو تعرف أنّ قولك هو مجرّد صنج يرنّ، يتناسب مع خشبة المسرح!]
[عن كتاب: رسائل القدّيس إيسيذوروس الفرمي (المجلّد الأوّل) – ترجمة المتنيّح الدكتور جورج عوض إبراهيم – إصدار المركز الأُرثوذكسي للدراسات الآبائيّة بالقاهرة]
القمص يوحنا نصيف