بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
 عضو إتحاد كتاب مصر 
  وُلد في غلاطية، وكان أحد تلاميذ القديس يوحنا الذهبي الفم وعمل بعض الوقت حاكمًا لمدينة القسطنطينية، وكان متزوجًا وله ابنان. إذ شعر برغبة جارفة لحياة الوحدة استقال من وظيفته واتفق مع زوجته على الابتعاد عن العالم، فقصد برية سيناء حوالي سنة 390 م. ليترهب آخذًا معه ابنه ثيؤدولُس Theodulus. ومن جبل سيناء كتب رسالتين إلى الإمبراطور أركاديوس Arcadius مدافعًا عن القديس الذهبي الفم ومعترضًا على نفيه من القسطنطينية.
 
 بعد عدة سنوات اجتاح الأعراب Saracens صحراء سيناء وذبحوا العديد من الرهبان وأسروا ابنه الشاب ثيؤدولُس أما هو فنجا بأعجوبة. وأخذ نيلوس يبحث عن ولده حتى وجده عند أسقف Eleusa جنوب بئر سبع Beersheba، كان قد اشتراه حتى يحرره من الأسر وأعطاه عملًا في الكنيسة. وقبل أن يطلقهما إلى سيناء مرة أخرى رسمهما ذلك الأسقف كاهنين.
 
عادا إلى سيناء واستأنفا حياتهما النسكية إلى أن تنيح بسلام سنة 430 م. وقد ترك كتابات في مواضيع مختلفة، في أغلبها كتابات في النسك والفضائل وبعض تعليقات على الكتاب المقدس.
 
من أقوال الأب نيلوس:
عن العمل
قال القديس نيلوس: ”البطالة هي بداية الأعمال الرديئة، ولا سيما للذين هم عديمو الأدب، لأن اليهود لما لم يكن لهم في البرية عمل ينشغلون به خرجوا من البطالة إلى عبادة الأوثان. فلا تفارق عمل اليدين لأنه نافعٌ جدًا ومهذِّبٌ“
 
وقال أيضًا: ”بلغني أن إنسانًا كسلانًا أخذ في حضنه الكتاب المقدس من الساعة السابعة (أي الواحدة بعد الظهر) حتى غروب الشمس ولم يقدر أن يفتحه البتّة وكأنه مربوط برصاص.
 
لكن أنبا أنطونيوس فعل كما أظهر له الملاك: فتارةً كان يجلس ولعمله ممارسًا، وتارةً أخرى يقوم وللصلاة ملازمًا (وتارةً يجلس ولكلام الله قارئًا).
 
وقد حظيَ باستنارة لدرجة أنه قال لأحد فلاسفة زمانه: ’يكفيني أن أتأمل في طبيعة المخلوقات دائمًا وأتلو في أقوال الرب حتى ظلمة الليل‘. إلى هذا الحدّ كان يتصل بالله، وكان ليله يضيء كالنهار كما قيل: «الظلمة أيضًا لا تظلم لديك والليل مثل النهار يضيء» (مز139: 12)“
وقال أيضًا: ”إن شئت أن تكون أعمال يديك إلهية لا أرضية، فلتكن أثمانها مشاعة بينك وبين المساكين“

عن الصلاة
وقال أيضًا: ”بع كل ما يخصك واعطه للمساكين وانكر نفسك حاملاً الصليب، وبذلك يمكنك أن تصلِّي بدون تشتُّت“
 
وقال أيضًا: ”كل ما تفعله انتقامًا من أخيك الذي ضايقك يأتي على فكرك في وقت الصلاة“
 
وقال أيضًا: ”الصلاة هي بذرة الوداعة وغياب الغضب“
 
وقال أيضًا: ”الصلاة علاج ضد الحزن والإحباط“
 
وقال أيضًا: ”أي شيء احتملته بسبب محبة الحكمة يثمر لك في وقت الصلاة“
 
وقال أيضًا: ”إذا أردت أن تصلِّي بطريقة صحيحة فلا تجعل نفسك مضطربة وإلاّ فإنك تسعى باطلاً“
 
وقال أيضًا: ”لا تجعل مشيئتك أن يتم كل شيء دائمًا حسب فكرك، بل بالحري كما يُرضي الله، فحينئذ تكون بدون قلق وشاكرًا في صلاتك“
 
وقال أيضًا:”الصلاة تكون بيقظة العقل لئلاّ تطلب من الله أمورًا لا يهواها. وعندما تصلّي ارفع أفكارك إلى الله، وإن هي هبطت عليك فارفعها أنت أيضًا. اصبر للأحزان لأن بها يأخذ المجاهدون الإكليل. ما أطيب وألذّ خبز الصوم، لأنه يعتق من خميرة الشهوات. إن عملتَ بيدك فليكن اللسان مزمِّرًا والعقل مصلِّيًا لأن الله يحب أن تذكره دائمًا“.
 
وقال أيضًا:”ينبغي أن تتكلم بالحسنات لكيما تبدأ بالأعمال حينما تستحي من الكلام. النفس تطهر بالدموع التي تنهمر في الصلاة، ولكن بعد الصلاة اذكر لماذا كانت الدموع. لا تختلط بالذي تراه يبتعد عن الصالحين. أعط البطن قوتها وليس ما تهواه، ولا تحب التنعُّم لأنه يجلب حب العالم. التواني في الخيرات هو أُمّ الشر“.
 
عن الراهب
وقال أيضًا: ”طوبى للراهب الذي يعتقد أنه هو المنبوذ من الكل“.
وقال أيضًا: ”الراهب الذي يحب السلام الداخلي يظل متحصّنًا من سهام العدو، أما الذي يختلط بجموع الناس فيتلقّى ضربات متواصلة“
وقال أيضًا: ”العبد الذي يتجاهل عمل سيده لا بدّ أن ينتظر الضرب“.
 
”احتفظ بأبواب السمع، وأفضل منها أبواب العينين، فإن سهام الشر لها عادة أن تدخل بواسطتها. احفظ الإمساك عن الملذّات حتى توضع (أو تُذلّ) حركات الجسد. وإن مَرضَ الجسد فعزِّه حتى يصل إلى الصحة بدون أن تلازم الملذات. صلِّ ألاّ تأتيك البلايا، وإن جاءتك فاصبر عليها. هل تحب أن تتمم الفضيلة بلا تعب؟ احسب أن التعب إنما هو لزمن قليل والأجر يدوم إلى الأبد“.
 
”لا تحوِّل وجهك عن دموع المسكين لئلاّ تُحتَقَر دموعك في وقت الشدّة. إن أمسكتَ بطنك فاضبط أيضًا لسانك لئلاّ يكون أحدهما عبدًا والآخر حرًا بلا منفعة
 
إن أحببتَ السمائيات فمالك والأرضيات التي تمنعك من أن تطير إلى السمائيات“؟!
 
”إذا دنّا أنفسنا رضي الديّان عنا، لأنه يفرح مثل الصالح الذي يرى الخاطئ يطرح الخطايا من على كاهله. وإن كنا فعلنا أمرًا نجسًا فلنغسله بالتوبة. تنهّد على قريبك إذا أخطأ كما تتنهّد على نفسك لأننا كلنا تحت الزلل“.
 
”لا تكره المسكنة لأنها تصيِّر المقاتَل بلا همّ. ولا تفرح بالغنى لأن الاهتمام به يبعد الإنسان عن الله وهو كاره. لا تتغافل عن عمل الرحمة، ولا تحب أن تستغني عن ضيافة الغرباء. لتكن تلاوتك للمزامير دائمة لأن ذكر الله يطرد الشياطين. اعتبر الصوم حصنًا والصلاة سلاحًا والدموع غسلاً“.
 
”إذا شُتمتَ تفكر إن كنتَ فعلتَ شيئًا يستحق الشتيمة، فإن كنتَ فعلتَ اعتبر الشتيمة بمنزلة المجازاة، وإن كنتَ لم تفعل فلتكن عندك مثل الدخان. الطريق التي تؤدّي إلى الفضيلة هي الفرار من العالم. الذي لا يُبغض الخطية يُدان مع الخطاة ولو لم يفعلها، وإذا نظرنا إلى أنفسنا فلن نُدين الآخرين. أمور كثيرة موجودة فينا ونحن نلوم غيرنا عليها“.
 
”إن كان لك غنى فبدِّده وإن لم يكن فلا تجمع. اِصنع الخير بالمساكين فإنهم يُرضون الديان عوضًا عنك. إن شربتَ شيئًا فقلِّل منه لأن قلّته تنفع شاربه“.
”اظهر إسكيم الفضل ليس لكي تخدع الناظرين بل لكي تنفعهم. كُن في الكنيسة كمن هو في السماء. امش ولا تتكلم، ولا تفكر في شيء من الأرضيات. احزن على الذي يُخطئ وليس على الذي يتمسكن، لأن الحزن الأول يُكلَّل أما الثاني فيُعذَّب“.
 
”ويلٌ للظالم لأن غناه يفرّ منه وتلقاه نار لا تُطفَأ. ويلٌ للمتوانين لأنهم يتمنون الزمان الذي تغافلوا فيه فلا يجدونه. ويلٌ لمحب الزنى فإنه يخرج من عرس الملك وهو مخزي. ويلٌ للمحتال والسكران فإنهما يُدانا مع القتلة والزناة. ويلٌ للذي يأخذ بالوجوه فإن الراعي يجحده والذئاب تفترسه“.
 
”طوبى للذي يسلك الطريق الضيقة الحزينة، فإنه بفرح يدخل السماء وهو مكلَّل. طوبى للذي اقتنى أمرًا رفيعًا وفكرًا متضعًا، فإنه يتشبّه بالمسيح ومعه يجلس في الملكوت. طوبى للذي ألزم لسانه بالناموس، فإن الله لا يفارقه في مسكنه. طوبى للذي بدَّد السيئات التي جمعها، فإنه يقف أمام الديان مزكَّى“