الأب رفيق جريش

تعد مصر حاليًا وبسرعة تصورًا شاملًا لمساعدة الأشقاء الفلسطينيين فى قطاع غزة، من خلال آليات عديدة تضع القاهرة اللمسات الأخيرة عليه، من أجل إزالة الركام وإعادة الإعمار وتوفير سبل العيش الكريم للفلسطينيين داخل القطاع. ويعكس هذا التصور إصرار مصر بكل قوة على رفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، باعتبار أن ذلك يمثل تصفية للقضية الفلسطينية ويساعد الحكومة اليمينية المتطرفة فى تل أبيب على تنفيذ أجندتها التى عملت عليها منذ بداية الحرب فى القطاع فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣. لم تكتف مصر برفض فكرة التهجير، ولم تنتظر حتى يفرض غيرها رأيهم ومشروعهم بل شرعت فى التنفيذ ورأينا الشاحنات التى تحمل المساعدات جنبًا إلى جنب مع البلدوزرات والكرافانات وهى تدخل إلى أرض غزة.

 

وفى هذا الموقف الصلد نالت مصر دعمًا عالميًا لهذا التصور فضلًا عن أن وزير الخارجية الأمريكى أكد أن الإدارة الأمريكية منفتحة على أى خطة جديدة بشأن غزة، فقد ثمّن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، خلال لقائه وزير الخارجية الدكتور بدر عبد العاطى على هامش اجتماع باريس، الجهود الحثيثة التى تبذلها مصر من أجل منع تهجير الفلسطينيين من القطاع، حيث اعتبر الرئيس ماكرون أن هذه الجهود تسهم فى دعم الأمن والاستقرار على مستوى منطقة الشرق الأوسط.

 

منذ اللحظة الأولى رفضت مصر خطة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة لأنها تعد جريمة حرب فلا أحد يستطيع أن يقتلع شعب من أرضه وجذوره فهذا يعد انتهاكًا للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، وميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية كما أنها تستهدف أولًا وأخيرًا تصفية القضية الفلسطينية. وقد ارتكزت السياسة المصرية على الموقف الصلب والحاسم من جانب مصر والأردن والسعودية وأغلب الدول العربية فى رفض مثل تلك المخططات أو توطين الفلسطينيين فى أراضى الغير وانتهاك سيادتهم، أيضًا تقديم خطة عملية قابلة للتطبيق على أرض الواقع لإعادة إعمار قطاع غزة فى ظل وجود الفلسطينيين فيه وعدم خروجهم.

 

وذلك تفنيدًا لمنطق الرئيس الأمريكى ترامب بأن إخلاء السكان الفلسطينيين وتهجيرهم يستهدف إعادة الإعمار، فمصر لديها الخبرات الفنية الكبيرة فى إعادة الإعمار خاصة فى غزة، ولذلك قدمت مصر رؤية وتصورا شاملًا لإعادة الإعمار يقوم على إقامة مناطق آمنة للفلسطينيين، وأن تقوم العديد من الشركات المصرية والعالمية بإزالة الركام واستعادة البنى التحتية فى فترة قصيرة، كما دعت مصر إلى عقد مؤتمر دولى لإعمار غزة، لأن عملية الإعمار تتطلب عشرات المليارات من الدولارات نظرا لحجم الدمار الكبير والهائل لقطاع غزة.

 

إن هذا الدعم العالمى للتصور المصرى يطرح دلالتين مهمتين: الأولى، أن هناك إدراكًا عالميًا للمخاطر التى يمكن أن تنجم عن محاولات تهجير الفلسطينيين من أراضيهم باعتبار أن ذلك ليس الآلية الأساسية لحل القضية الفلسطينية. والثانية، أن التحركات التى تقوم بها مصر على المستويات المختلفة العربية والإقليمية والدولية تفرض نتائج إيجابية وبارزة على الأرض لذا على قمة الدول العربية التى ستجتمع فى القاهرة يوم ٤ مارس القادم أن تقدم للعالم استراتيجية ورؤية واحدة حاسمة لمستقبل غزة والمنطقة وتؤكد على أهمية الحفاظ للشعب الفلسطينى والحفاظ على حقوقه المشروعة وحقه فى إقامة دولته المستقلة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية فى إطار حل الدولتين، وتأكيد أن تكون هناك إدارة فلسطينية لقطاع غزة، وأنه جزء أساسى من الدولة الفلسطينية، وذلك لقطع الطريق على أى تصورات أو خطط أخرى تستهدف تغيير التركيبة الجغرافية والديمغرافية لقطاع غزة.

نقلا عن المصرى اليوم