هانى لبيب
لاحظت أنه فى سياق الحديث عن القضية الفلسطينية، وما يتعرض له الفلسطينيون من انتهاكات وجرائم غير إنسانية وغير مسبوقة، يتم التركيز على البعدين السياسى والوطنى للصراع، مع إغفال البعدين الدينى والاجتماعى الذى يطول كافة مكونات المجتمع الفلسطينى، بمن فى ذلك المسيحيون الفلسطينيون. إن استبعاد الحديث عن حقوق المسيحيين الفلسطينيين فى هذا السياق لا يمثل فقط تجنبًا لحقيقة واضحة، بل هو أيضًا تبسيط مخل لطبيعة القضية الفلسطينية، التى لم تكن يومًا قضية تخص فئة دينية واحدة، بل هى معركة شعب بأسره ضد الاحتلال والاستعمار والتمييز العنصرى.
المسيحيون الفلسطينيون جزء أساسى من النسيج الاجتماعى والسياسى الفلسطينى. ويسجل التاريخ أنه منذ نكبة سنة ١٩٤٨ شارك المسيحيون فى المقاومة الوطنية.. سواء من خلال العمل السياسى أو النضال المسلح أو دعم الحراك الشعبى. كما لعبوا دورًا محوريًا فى تشكيل الهوية الثقافية الفلسطينية من خلال الأدب والفن والإعلام والتعليم.
ورغم أن نسبة المسيحيين تراجعت فى لبنان وسوريا والسودان والعراق، وأخيرًا بشكل ملحوظ فى فلسطين.. نتيجة للهجرة التى فرضتها ظروف الاحتلال والتمييز، إلا أن وجودهم لايزال حاضرًا فى مختلف جوانب الحياة الفلسطينية من القدس إلى بيت لحم ورام الله وغزة. لذا، فإن تهميش الحديث عنهم فى سياق القضية الفلسطينية هو تهميش لتاريخهم ونضالهم ومأساتهم المستمرة.
يتعرض المسيحيون فى فلسطين لانتهاكات متعددة، لا تختلف عن تلك التى يتعرض لها المسلمون الفلسطينيون، بل تأخذ أحيانًا اهتمامًا خاصًا.. نظرًا لما تمثله المواقع المسيحية من أهمية دينية وحضارية. إن المقدسات المسيحية فى القدس، مثل: كنيسة القيامة وكنيسة المهد فى بيت لحم.. تتعرض بشكل مستمر لاعتداءات المستوطنين اليهود.. فى ظل تواطؤ وتجاهل واضح من السلطات الإسرائيلية. كما أن الاحتلال الإسرائيلى يفرض قيودًا مشددة على وصول المسيحيين إلى كنائسهم وأماكنهم المقدسة، خاصة خلال الأعياد، مما يعوق ممارستهم لشعائرهم الدينية.
بالإضافة إلى المحاولات المستمرة لتهويد القدس والاستيلاء على الممتلكات المسيحية، كما حدث مع قضية باب الخليل.. حيث قامت الجهات الإسرائيلية المسؤولة بتسهيل الاستيلاء على ممتلكات الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، ومن أهمها دير السلطان. إن استبعاد الحديث عن حقوق المسيحيين الفلسطينيين فى سياق القضية الفلسطينية يؤدى إلى نتائج خطيرة على عدة مستويات:
١- تشويه الهوية الوطنية الفلسطينية من خلال تصديرها باعتبارها صراعًا دينيًا بين المسلمين واليهود هو اختزال مخل للواقع.. فالقضية الفلسطينية ليست قضية دينية بقدر ما هى قضية وطنية وإنسانية. وأحذر من تجاهلهم فى الخطاب السياسى والإعلامى الفلسطينى والعربى لأنه يضر بالوحدة الوطنية الفلسطينية، ويعطى الاحتلال فرصة لخلق انقسامات مصطنعة. ٢- إضعاف التضامن الدولى مع فلسطين، فتصدير المعاناة الحقيقية للمسيحيين الفلسطينيين من شأنه أن يعزز التعاطف الدولى مع القضية الفلسطينية فى الغرب بشكل خاص.
ولذا، فإن إهمال وإغفال هذا البعد.. يضيع فرصة مهمة لحشد الدعم الدولى ضد ممارسات الاحتلال. ٣- تشجيع الاحتلال على استهدافهم أكثر، وهو ما يحدث بعدم تسليط الضوء على معاناة المسيحيين الفلسطينيين. وهو ما يتيح الفرصة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلى فى سياساته العدوانية تجاههم دون أى رادع. كما يعطى فرصة لإسرائيل باستغلال الصمت الدولى والإقليمى لتركز على سياسات التهويد والتمييز العنصرى ضد كافة الفلسطينيين، بغض النظر عن انتمائهم الدينى.
الحديث عن القضية الفلسطينية يجب أن يكون شاملاً، يعكس جميع مكونات الشعب الفلسطينى. فلا يمكن اختزال النضال الفلسطينى فى فئة واحدة أو جماعة أو حركة مقاومة بعينها، بل يجب أن يتم تسليط الضوء على معاناة المجتمع كله.. بمن فى ذلك المسيحيون الفلسطينيون الذين يتعرضون لنفس القهر والاستبداد.
نقطة ومن أول السطر..
استبعاد الحديث عن حقوق المسيحيين فى فلسطين ليس مجرد خطأ إعلامى أو سياسى، بل هو خطأ ضخم.. يترتب عليه تهميش لمكون أصيل من النسيج الوطنى الفلسطينى. القضية الفلسطينية ليست قضية دينية، بل قضية وطنية وإنسانية.
نقلا عن المصرى اليوم