د. رامي عطا صديق
يقولون إن التاريخ ذاكرة الأمة، وأمة بلا ذاكرة هى أمة بلا حاضر وربما بلا مستقبل، والأمة التى تحفظ تاريخها تحفظ ذاتها، ومن وعى التاريخ فى صدره أضاف أعمارًا إلى عمره، وإن التاريخ كنز لا نهاية له ولا حد له.. ومن المعروف أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذى له تاريخ، على عكس الكائنات الحية الأخرى، ومن هنا فإن لقراءة التاريخ ودراسته فوائد كثيرة ومكاسب متنوعة، للفرد والمجتمع، سواء للحاضر الذى نعيشه أو للمستقبل الذى سوف يعيشه بعضٌ منَّا والأجيال القادمة من بعدنا، والتاريخ خط زمنى عبَّرت عنه الدكتورة حكمت أبوزيد (١٩٢٢- ٢٠١١م) فى كتابها «التاريخ تعليمه وتعلمه»، بقولها إن «التاريخ شجرة تحكى قصة هذه العناصر الزمنية، ماضيها جذورها الثابتة فى الأرض، وحاضرها جذعها المنتصب، وفروعها الممتدة إلى السماء تحمل ثمار المستقبل».
وأذكر أيضًا ما قاله أستاذ التاريخ الدكتور حسن عثمان فى كتابه الرائد «منهج البحث التاريخى»، من أنه «لا غنى للإنسان عن دراسة ماضيه باعتباره كائنًا اجتماعيًا، فينبغى عليه أن يعرف تاريخ تطوره وتاريخ أعماله وآثاره». وقد كان الشيخ الجليل محمد عبده (١٨٤٩- ١٩٠٥م) مُحقًا حين استوعب أهمية التاريخ وفائدته، إذ يذهب- فى قول مأثور له- إلى أن قراءة التاريخ واجب من الواجبات الدينية المقدسة.
من بين فوائد التاريخ أنه يقدم لنا الدرس والحكمة والتجربة والخبرة والموعظة الحسنة من سير الذين سبقونا فى مختلف المجالات، ومن المواقف والأحداث التى مر بها الوطن عبر تاريخه، وهو أمر يفيدنا فى الحاضر ويساعدنا على التخطيط الجيد للمستقبل، إذ ليس حسنًا أن يقع الفرد أو المجتمع فى نفس الخطأ مرتين، ويُسهم التاريخ فى تحقيق التواصل بين الأجيال، عبر تكوين ذاكرة جمعية بين المواطنين بعضهم بعضًا، هنا يلتقى المواطنون حول أحداث عاصرها الكبار ولم يعاصرها الشباب، فتزداد مساحات المشاركة والحوار ونقل التجارب والخبرات؛ وتاريخ الوطن يُدعم الانتماء إليه ويجعل الأطفال والنشء والشباب يشعرون بالفخر لإنجازات الآباء والأجداد، وما قدموه من تراث مادى وتراث آخر غير مادى، وهو من ثم يقوم بدور مهم وأصيل فى بناء الوعى وتشكيل الهوية الوطنية؛ كما يمكننا الاستفادة من حوادث التاريخ ومسيرة رموزه وشخصياته فى مواجهة الأزمات الحالية والتحديات المعاصرة، من خلال استدعاء المواقف الإيجابية والكتابات المستنيرة، وضخ الدماء فى شخصياته، بتعبير أستاذتنا الدكتورة لطيفة سالم. ربما من هنا تأتى أهمية تعريف الأطفال والنشء بتاريخ بلدهم، وترغيب الشباب فى قراءة التاريخ ودراسته والتعرف على رموزه وأبرز أحداثه، وبالإجمال إنعاش الذاكرة الوطنية، بغرض التنمية والتثقيف والتنوير.
فى هذا المقام أقترح هنا بعض الأفكار والطرق والوسائل التى يمكن أن تُقدم التاريخ بطريقة شائقة وجذابة، ومن ذلك: تقديم الأحداث التاريخية فى صورة قصة وحكاية، وهى طريقة مُحببة للأطفال والنشء الصغير، إعداد الأفلام التسجيلية والوثائقية، خاصة أن الصورة المرئية المتحركة لها جاذبيتها، إنتاج الأعمال الفنية الدرامية، حيث المسلسلات الإذاعية والتليفزيونية والمسرحيات والأفلام السينمائية، وهى أعمال فنية لها جمهور واسع وعريض من مختلف الفئات والأعمار، تكليف التلاميذ والطلاب فى المدارس والجامعات بإعداد مشروعات بحثية جماعية فى موضوعات التاريخ.
يقدمونها فى أشكال مختلفة: عروض تقديمية- مسرحيات- صحف ومطبوعات، كما يمكنهم إعداد أوراق بحثية وأبحاث أولية، وإعداد ملفات صور للشخصيات التاريخية البارزة ومسيرة حياتها، عقد مسابقات فى التاريخ للطلاب، وتشجيعهم على البحث والتفاعل، وتقديم جوائز مناسبة لهم، تكوين الفرق المسرحية فى المدارس التى تقدم مسرحيات تعليمية تُجسد شخصيات تاريخية أو تقدم أحداثًا تاريخية، تنظيم زيارات ميدانية للمتاحف والمواقع الأثرية، مثل المتحف المصرى ومتحف الحضارة والمتحف القبطى والمتحف الإسلامى، ومنطقة مجمع الأديان بمصر القديمة ومكتبة الإسكندرية وغيرها.
تنظيم زيارات أخرى للمؤسسات الثقافية والفنية والإعلامية والخيرية، إقامة ندوات فى المدارس وقصور الثقافة ومراكز الشباب فى المناسبات التاريخية المختلفة، واستضافة مؤرخين وكتاب ومُفكرين، وإجراء مناقشة وحوارات مع الطلاب، إقامة معارض الصور الفوتوغرافية التى تحكى تاريخ الوطن والعالم فى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إعداد زيارات افتراضية للمتاحف والمواقع الأثرية، من خلال البرامج التكنولوجية الحديثة وتطبيقات الذكاء الاصطناعى.
وختامًا.. يقول المثل الشعبى المصرى: «من فات قديمه تاه»، فى إشارة إلى أهمية التاريخ، ولكن هذا المثل لا يعنى عندنا التوقف عند حوادث الماضى والتقوقع داخل حالة من «النوستالجيا»، التى تعنى الحنين إلى الماضى والذكريات، إذ علينا الاستفادة من حوادث الماضى وأفكاره، ذلك أن التاريخ هو «بوصلة» الحاضر والمستقبل.
نقلا عن المصرى اليوم