هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض.
أثار بوست للفنان أحمد السقا منشور على صفحته الرسمية على الفيسبوك جدلًا كبيراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة كونه يتحدث عن "المسيح" مفيش حد المسيح .... وذكرها اكثر من مرة وهذا فيه ازدراء للمسيحية.
ثم أوضح السقا أن ما حدث لم يكن اختراقًا لصفحته كما شاع، ولكن واحد معه من أدمين الصفحه كتب كلمتين بالغلط، ونزله على صفحتي العامة بدل ما ينزلهم عنده، وتم مسح البوست بتحصل عادي على حد قوله.
ان مثل هذا التصريح غير المسؤول المنشور على صفحته أحدث حالة من الاستياء والغضب الشديدين عند جموع المصريين ولا يعفيه من المسؤولية إنه مسح البوست لاحقاً أو ذكر أي مبرر كأن ازدراء الأديان أمر عادي.
في تقديري الشخصي : أن هذا التصريح يعد جريمة ازدراء أديان مكتملة الأركان ويجب التحقيق مع الفنان احمد السقا في هذه الواقعة وإحالة من تسبب في ذلك إلي المحاكمة الجنائية العاجلة. لأنه يجرح المشاعر الدينية للمسيحيين وفيه إهانة علانية لهم. ويمثل إيماء مستفزا وينم عن جهل معرفي لأبسط الأشياء المعروفة في التاريخ حيث إن السيد المسيح قسم التاريخ فهناك تقويمات كثيرة يتبعها الناس حول العالم اليوم. لكنَّ التقويم العالميَّ الأهمَّ اليوم ارتبط بميلاد المسيح. نحن في سنة ٢٠٢٥ من ميلاد الملك يسوع المسيح. هو الملك الذي قَسَمَ ميلادُه التاريخَ إلى ما قبل الميلاد وما بعد الميلاد، ويمكن أن تستشعر من مزاعم كاتب البوست الإهانة للمسيحية فى عقيدتها، وذات طابع مسيئ ، ومزدري للعقيدة المسيحية وليس له ما يبرره علي الإطلاق.
هل تعلم أيها الفنان أن اسم السيد المسيح تكرّر في القرآن 11 مرّة ، وتكرّر اسم عيسى 25 مرّة ، وبذلك فقد ورد اسم (عيسى) ولقب (المسيح) في القرآن 36 مرّة وذلك في أحدي عشر سورة من القرآن، وأن ادعوك لقراءة قرآنك جيداً. لتعرف من السيد المسيح، لسنا في معرض تأصيل فقهي إلا كنت شرحت كل هذه الآيات .
حيث يتفق المسلمون والمسيحيون على أن المسيح كلمة الله يقول القرآن: “إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ” (النساء 171). هنا، يدعى المسيح “كلمته”، والهاء تعود على الله . ثم في آية أخرى نجده يقول: “إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ” (آل عمران 45)، هنا دعي المسيح “كلمة منه”، والهاء أيضا تعود على الله، فالمسيح إذن كلمة الله.
وفي الحديث أيضا نجد تصريحا مباشرا بأن المسيح كلمة الله، حيث يقول في حديث الشفاعة أن الناس يأتون نبي الله موسى ليطلبوا الشفاعة منه فَيَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى، كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ (صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها).
وفي الإنجيل، نجد أيضا أن المسيح هو كلمة الله. يقول الإنجيل يوحنا : “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ الله” (إنجيل يوحنا 1 الآية 1)، ثم يقول أيضا: “وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا (يعني الكلمة تجسد في شخص المسيح) وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ (إنجيل يوحنا 1 آية 14).
ونحن نؤمن حسب إيماننا المسيحي في الكتاب المقدس أن الله واحد مثلث الأقانيم وان السيد المسيح الله الظاهر في الجسد.
أن البوست المنشور على صحفة الفنان تجاوز الحد المسموح به فى الطرح، ويصنف كهجوم مسيء ضد السيد المسيح الذي نعتبره نحن المسيحيين إنه الهنا ، واستشهدت حضرتك بعظمته في لقاءات تليفزيونية سابقة فكيف تُزعم على صحفتك مفيش حد المسيح.
وهذا الادعاء ثابت من خلال تصريحه والتعدي بالقول وبطريق العلانية علي السيد المسيح ، وطعن في الأديان المنحدرة عن ابراهيم عليه السلام، لأن ما فعلوه تسبب فى جرح مشاعر كثير من المصريين فإن الأمر تجاوز الحدود المقبولة لحرية التعبير، ولا يبرره أى هدف أعد من أجله، وإنما جاء فى صورة امتهان وازدراء الدين المسيحي، وليست الإهانة جزءا من حرية الرأى أو المناقشة العلمية أو الفلسفية، والتى يجب فى المسائل الدينية مراعاة مشاعر الآخرين وأن تكون التصرفات مدروسة ومنضبطة وليس لمن توسل بما وصل إلى حد التعدى أن يتذرع بتلك بالحرية ولا أن يحتمى وراء حرية التعبير أو عدم المعرفة، فهو تعدى قد يثير فى النفوس الغضب والتعصب، وقد يصل إلى التحريض على التمييز العنصرى والبغض الطائفى.
ومن حق الفرد التمتع الآمن بحرية العقيدة، وإن هذا الحق يُنتهك إذا كانت الطريقة التى يتم بها نقد العقيدة الدينية تتضمن فى ثناياها تحقير منها أو سخرية علنية أو تكون مستفزة وبلا مبرر أو موجهة لأحداث ورموز دينية أساسية بعيدا عن أى حوار للأفكار.
أن حرية الاعتقاد والرأي والتعبير مكفولة بمقتضي الدستور والقانون، لكن هذا لا يبيح لمن يجادل في أصول دين من الأديان أن يمتهن حرمته أو يحط من قدره أو يزدريه عن عمد، فليس له أن يحتمي في ذلك بحرية التعبير ، وإنما تضع مرتكب تلك الجرائم تحت طائلة القانون.
ويستفاد ذلك من نص المادة ( 98 و) من قانون العقوبات حيث تنص علي "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه، ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية".
والقانون يعرف جريمة ازدراء الأديان بأنها احتقار الدين، أو أحد رموزه، أو مبادئه الثابتة، أو نقده أو السخرية منه بأي شكل من الأشكال، أو إساءة معاملة معتنقيه، لأن مثل هذه السلوكيات هي التي تثير الفتن، ومن هنا، فإن الهجوم بأي شكل على كل ما يتعلق بالدين يعد ازدراء له، وأن الازدراء أو التجديف هو عدم إظهار تقدير أو احترام تجاه مقدسات في الديانات الإبراهيمية، أو الأعتداء علي قدسية الاعتقاد الديني والإساءة للدين ، ومهاجمة العقيدة ، والذي يعبر عنه بالتطرف الديني، إما باحتقاره، وإهانة الدين، أو التشدد المخل، وهي الصورة الأكثر انتشارا.
كما تنص المادة 160 من قانون العقوبات المصرى على انه "مع عدم الإخلال بأى عقوبة أشد يعاقب بالحبس مدة ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف جنية ولا تزيد عن 5 آلاف جنية كل من شوش على إقامة شعائر ملة أو دين أو احتفال أو رموز أو أشياء أخرى لها حرمة عند أبناء ملة أو فريق من الناس.
وكل من حرض واحدا أو أكثر على ارتكاب جناية أو جنحة بقول أو صياح جهر به علنا أو بفعل أو أشياء صدر منه علنا ويكون الفعل أو الإيماء علنيا إذا وقع فى محفل عام أو طريق عام أو إذا وقع بحيث يستطيع رؤيته من كان فى مثل ذلك الطريق أو المكان ، أو بكتابة أو رسوم أو صور شمسية أو رموز أو أية طريقة أخرى من طرق التمثيل جعلها علنية أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية يعد شريكا فى فعلها ويعاقب بالعقاب المقرر لها إذا ترتب على هذا الإغراء وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل، أما إذا ترتب على التحريض مجرد الشروع فى الجريمة فيطبق القاضى الأحكام القانونية فى العقاب على الشروع.
اما بالنسبة للرد علي الفنان ان مفيش حد معصوم من الخطأ غير الانبياء والرسل .
يحاول الفنان احمد السقا إيهام القرّاء بتلك التفسيرات الخاصة به الغير موجودة في البوست المحذوف ، وربما لا يعلم أن الكتاب المقدس والقرآن لا يؤمن بعصمة الانبياء.
أن المسيحية لا تؤمن بعصمة الأنبياء ويقرر الكتاب المقدس في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية ( 3:23) "إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللهِ".
وان يسوع المسيح الوحيد المعصوم من الخطأ هذه حقائق ثابتة في الكتاب المقدس. حيث ذكر بفمه الطاهر متحديا الجميع "مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ فَإِنْ كُنْتُ أَقُولُ الْحَقَّ، فَلِمَاذَا لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي؟ ( إنجيل يوحنا ٨: ٤٦).
كما أن عصمة السيد المسيح، جاءت بالآية القرآنية في سورة (آل عمران 3 :36-37) "وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا".
وأن عصمة المسيح من الخطأ واردة أيضاً في أحاديث بني الإسلام عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت النبي يقول: ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان غير مريم وابنها، ثم يقول أبو هريرة وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم (رواه البخاري).
تعلم الكثير خطأ منذ الصغر أن الأنبياء معصومون من الخطأ، ولكننا حين نقرأ القرآن؛ نجد هناك آيات فيها عتاب لبعض الأنبياء كما في سورة عبس، والآيات التي تتحدث عن قصة زيد بن حارثة رضي الله عنه وزوجته التي أصبحت أم المؤمنين فيما بعد.
وأيضا خطأ آدم عليه السلام، وعتاب الله لنوح عليه السلام في قصته مع ابنه، وموسى عليه السلام في قتله لرجل من بني إسرائيل، وقصة داود وسليمان عليهما السلام (ففهمناها سليمان) ولم يفهمها لداود.
مما يعني أن فكرة عصمة الأنبياء تناقض بعض الآيات القرانية والأحاديث الصحيحة الواردة.
والقضية ليست محاولة إثبات أخطاء الأنبياء من باب ترصد الأخطاء وجمع العثرات، ولكن الإيمان بمثالية الأنبياء المطلقة تجعل الإيمان بمثالية الأشخاص واردة. والإيمان بذلك يدخل المجتمع في صراعات مذهبية وفكرية عميقة؛ تبعا لمحاولة إثبات مثالية البعض دون آخرين، مما يفتت المجتمع للأسف.
كما أن الإيمان بالمثالية سواء الأخلاقية أو الدينية، يسبب ضغطا على الأفراد، وتبعية عمياء للشخوص لا للحق، ونبذ المخطئين والبحث عن عثراتهم، وبهذا تستنزف طاقات الأفراد ويحملون أوزارا قد لا يحتملون تبعاتها الدينية والدنيوية.
إن هذه الفكرة ـ عدم عصمة الأنبياء ـ تبسط كثيرا من المسائل وتساعد على تلاحم المجتمع وقبول المخطئين، وأيضا تعطي العقول مساحة واسعة من التفكير، وليس كما يُزعم الفنان أنها لا تعمل العقل، لأن التبعية بهذا المفهوم لن يكون لها وجود.
غير أن بعض العلماء ارتكزوا في فكرة عصمة الأنبياء، على قوله تعالى (وما ينطق عن الهوى)، ولكننا حين ننظر للآيات التالية نجد أنها تتحدث عن القرآن.
وحتى لو فسرنا الآية بمفردها، نجد أنها قد تعني أنه لا ينطق تبعا لهواه، فإن أخطأ فهو تبعا لبشريته.
أن عصمة الأنبياء، ليس لها دليلا من القرآن أو السنة.
ونري أن التصريح المنشور على صفحته ولَم ينكره أيضاً فيه مخالفة لميثاق الشرف الإعلامى ومدونة السلوك المهنى.
جدير بالذكر أننا نحتاج إلى ضبط الأداء الإعلامى، والتدقيق فيما يقدم للمواطنين واحترامهم، والالتزام بميثاق الشرف الإعلامى ومدونة السلوك المهنى، والبعد عن الأمور التى تحدث أى إثارة أو بلبلة، حيث خالف مثل هذا التصريح كود الاخلاق الذى نص على عدم التحقير من الاشخاص ، ومخالفة المادة (16) من لائحة الجزاءات والتى تنص على ان استخدام الفاظ تؤذى مشاعر الجمهور مخالفة تقتضى توقيع الجزاء على المخالف.
والدستور المصرى الصادر فى 2014 فى المادة 211 منه أناط بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام مسئولية وضع الضوابط والمعايير اللازمة لضمان التزام الصحافة ووسائل الأعلام بأصول المهنة وأخلاقياتها والحفاظ على مقتضيات الأمن القومى، وأوجب عليه القانون رقم 180 لسنة 2018 اتخاذ الإجراءات المناسبة اللازمة لبلوغ تلك الغايات، وخوَّله من الاختصاصات والسلطات، وأتاح له استخدام العديد من التدابير وتوقيع ما يراه ملائماً من الجزاءات المعينة له فى هذا المقام.
وطبقاً للمادة 211 من الدستور الصادر عام 2014 والمادة (94) من القانون رقم 180 لسنة 2018 بشأن قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام واللوائح الصادرة تنفيذاً له، فإن هذا الصريح خالف ميثاق الشرف الإعلامى ومدونة السلوك المهنى فى باب أولاً المبادئ العامة فى فقراتها أرقام ( 2، 4 ، 6، 9) والتى نصت على التالى:
1- الفقرة رقم 2 تنص على احترام القيم المجتمعية وآداب وتقاليد المهنة.
2 - الفقرة رقم 4 احترام الوحدة الوطنية.
3 الفقرة رقم 6 احترام الكرامة الإنسانية وعدم الإساءة إلى أى فئة من فئات المجتمع.
4- الفقرة 9 تنص، على احترام حقوق الجماهير مستمعين ومشاهدين.
كما تنص الفقرة الثانية فى باب الواجبات، على عدم مخالفة الالتزام بالموضوعية فى التناول، والتوازن فى عرض وجهات النظر، وعدم تغليب المصالح الخاصة على الاعتبارات المهنية.
يجب أن يسود بيننا روح التسامح وأن نتقبل الاختلاف وأن نحترم معتقدات الآخر، وأن يكون ذلك بروح من التسامح المتبادل.
وبناء عليه فأنني أناشد السيد الاستاذ المستشار النائب العام فتح تحقيق عاجل في هذا الأمر وإحالة الفنان أحمد السقا إلي النيابة العامة لاتخاذ شؤونها، والتحقيق مع من ارتكب هذا الفعل والإحالة إلى محكمة جنائية عاجلة .
كما أطالب المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أعمالاً للمادة 94 من القانون رقم 180 لسنة 2018 وهو المنوط به ضبط الأداء الإعلامى إحالة الفنان احمد السقا للتحقيق معه من خلال نقابته، وحجب مواقع التواصل الخاص به على الفيسبوك .
وأطالب اللجنة العليا لمواجهة الأحداث الطائفية المشكلة بقرار رئيس الجمهورية رقم ٦٠٢ لسنة ٢٠١٨م مواجهة مثل هذه الدعاوي التي تنال من سلامة واستقرار الوطن لمنع حدوث حالة من الاحتقان تضر بالمجتمع ومواجهتها بكل حزم وقفاً للقانون للمحافظة علي الوحدة الوطنية وسلامة وأمن البلاد.