(قصة قصيرة) 
الاب جون جبرائيل
عندما كنتُ طفلًا بين سن ٦ و ١٣ عامًا، كان في حارتنا كلبٌ اسمه "شمس". كان يتسكّع في أزقتنا ويسترخي على ناصية الشارع خلال ساعات النهار. كان دائمًا صديقًا لنا وجارًا وفيًا.
 
نلعب معه لساعات طويلة، وهو ينتظرنا عند الزاوية كأنه جزء من عالمنا الصغير. حركته الهادئة وضحكاتنا حوله كانت تفاصيل يومنا المعتادة، وأحيانًا كان يصطحبنا مسافة قصيرة قبل أن يعود إلى ركنه ليستريح. كان كل شيء يبدو بسيطًا، بلا قلق أو خوف.  
 
لكن كان هناك شيء غريب. "شمس" الهادئ، الذي نادرًا ما كان يعوي، كان كلما رأى سيارة، يركض خلفها، عاويًا وكأنه يسعى وراء شيء غامض. تساءلنا كثيرًا عن السبب، وسألْنا الكبارَ، فقالوا لنا: "وهو صغير، عربية داست على رجله." عندها فهمنا أن غضبه لم يكن بلا سبب، بل كان جرحًا قديمًا لم يلتئم. بدأنا نفهم كيف يمكن للألم أن يظل حيًّا في القلب، لا يزول حتى مع مرور السنوات.  
 
ثم في يوم من الأيام، حدث ما لم نكن نتوقعه. وجدنا "شمسًا" مثخنًا بالجراح، وقد غرزت في جسده كرات صغيرة قاتلة. لم يكن حادثًا، بل كان استهدافًا متعمدًا. “واحد كبير خالص قرر يتخلص من الكلاب الضالة"، قال واحدٌ من الكبار بصوت منخفض. شعرنا بالخيانة.
 
"شمس"، صديقنا وجارنا الطيب، كيف يُمحى بهذه البساطة؟ كيف يُحكم على حياةٍ بريئة بالانتهاء لمجرد أنها لم تعجب من يملك السلطة لاتخاذ القرار؟  
 
وفي تلك اللحظة، بدأنا نعي شيئًا جديدًا عن الظلم. في اليوم التالي، لمحنا شخصًا غريبًا، يرتدي ثيابًا داكنة ويحمل شيئًا معدنيًّا في يده. جريًا وراءه، وببراءة الأطفال، صرخنا: "إنت اللي قتلت شمس!" لم نكن نعرف من هو، لكن قلوبنا كانت مليئة بأسئلة لم تجد إجابة.  
 
مرت السنوات، وكبرنا، لكن تلك الحادثة لم تفارق ذاكرتنا. تمنيت لو بقينا صغارًا، حيث كانت تلك الأسئلة مجرد فضول طفولي، لا فهمًا لحقيقة العالم. لكننا أدركنا أن ما بدأ بموت "شمس" لم يكن النهاية، بل كان بداية لسلسلة من الأسئلة التي لا تنتهي. لماذا قُتل؟ من الذي قرر مصيره؟ ومن منح نفسه الحق في تصفية من لا يعجبه؟  
 
تراكمت الأسئلة مثل طوفان، ومع مرور الوقت، أدركنا أن المصير الذي لقيه "شمس" قد يكون مصير أي أحد منا. هناك يد خفية تتسلل إلى حياتنا، تقرر من يرحل ومن يبقى، من يُعدُّ خطرًا ومن يُسمح له بالوجود. لم يكن "شمس" مجرد كلب، بل كان رمزًا للحياة التي يمكن أن تُمحى بقرار من أحدهم، من دون سبب واضح، ومن دون أن يكون هناك من يسأل: لماذا؟