القمص يوحنا نصيف
    كما أشرت في المقال السابق، أنّي سأعرض عشرين نموذجًا من التعليقات والتأملات الجميلة للقدّيس إيسيذوروس الفرمي، وهي تشمل فقرات وآيات من العهدين القديم والجديد.. بحسب ما جاء في رسائله القصيرة التي تُعَدّ بالآلاف، وكان الكثير منها يحوي إجابات على أسئلة واستفسارات حول معاني في الكتاب المقدّس.

    6- (مت13: 45-46): الذي يُقَدِّر قيمة الجوهرة الثمينة، ويعتبرها مساوية لكلّ ثروته، هو شعب الربّ الجديد الذي احتقر الثروة [المادّيّة]، وديانة آبائه، وطلب ربّ المجد. ودُعِيَ الربُّ جوهرةً لأنّه متّحد بعمق الألوهيّة. (الرسالة 182).

    7- "دعا يوحنّا اثنين من تلاميذه، وأرسل إلى يسوع قائلاً: أنت هو الآتي أم ننتظر آخَر؟" (لو7: 19). عندما كان على وشَك قطع رأسه لأجل شهادة الحقّ، إذ حرص أن يقود تلاميذه إلى ذاك؛ وهم الذين تشكّكوا في شهادته، بأنّ يسوع هو الأعظم من يوحنّا، بسبب حياة يوحنّا الفاضلة. هذا ما أظهره الربّ مباشرة، مُوَثِّقًا الشهادة ليوحنّا بمعجزات كثيرة. ثمّ أرسل له ثانيةً أولئك الذين كانوا غير مصدّقين شهادته، بعدما أكّد على كلّ ما سمعوه [من يوحنّا عن المسيح]، من خلال كلّ ما رأوه [من معجزات فعلها المسيح أمامهم]. (الرسالة 34). [يتشابه هذا التفسير مع تفسير ق. كيرلّس الكبير].

    8- (مت1: 25): تقول أنّ اليهود يَعتبِرون عثرةً هذا الذي قيل في الكتاب المقدّس عن أنّه "لم يعرفها حتّى ولدَت ابنها البِكر"، بادّعاء أنّ العذراء أتت بعده في علاقة جسديّة مع خطيبها. ليت الشعب المجدِّف والجاحد يعرِف أنّ "حتّى" نجدها مرّات كثيرة في الكتاب المقدّس بمعنى "باستمرار"، مِثل: "اجلس عن يميني حتّى أضع أعداءك موطئًا لقدميك" (مز110: 1)، ومازال هكذا إلى الأبد. "وأرسَل الحمامة حتّى لم تعُد ترجِع إليه أيضًا" (تك8: 12)، بمعنى أنّها لم ترجع إليه إطلاقًا. وهناك نصوص كثيرة مثل هذه في الكتاب المقدّس.. كذلك أيضًا تظهر بوضوح [حقيقة بتوليّتها الدائمة] من رغبة الربّ الأخيرة بأنّ تُسَلَّم والدة الإله إلى البتول يوحنّا، رابطًا الاثنين بالبتوليّة، حينما كان مُعَلَّقًا على الصليب متحَمِّلاً الموت الذي مَنَحَ الحياة (يو19: 27). (الرسالة 18).

    9- (2مل2: 21): لقد شَفَى أليشع -بواسِطة الملح- مياه نهر أريحًا المُجدِبة والرديئة، مدفوعًا بطريقة إنجيليّة في الشفاء، وكأنّه يرى المستَقبَل. لأنّ المياه كانت نموذجًا لكلّ البشريّة التي كانت مُجدِبة من جهة الفضيلة، وعقيمة من جهة التقوى. والملح إذ له خاصّيّة وقوّة التسلُّل داخل كلّ شيء، كان نموذجًا لتعليم الربّ، مثلما يقول هو ذاته لرسلِهِ: "أنتم ملح الأرض" (مت5: 13). أليشع كان مثالاً للخالق وللربّ ذاته؛ لأنّ أولئك الذين يحفظون بنقاءٍ أيقونة الخالق، يحصلون منه على موهبة، أن يتمِّموا معه أيضًا المعجزات. (الرسالة 16).

    10- "الكهنة في السبت في الهيكل يدنّسون السبت وهم أبرياء" (مت12: 5). لأنّه بينما يُحَرَّم أي عمل يدوي يوم السبت، يقطع هؤلاء الخشب، ويُشعِلون النيران، ويتمّمون الذبائح. إذن هذه الأمور -كأعمال يوميّة- غير مسموح بها يوم السبت، لكن كذبائح: ليس فقط لا تُمنَع، بل أيضًا يَأمُر بها الناموس. بالتالي يحدث بالتأكيد أن يُدَنَّس السبت بالعمل، لكنّ الكهنة لا مسؤوليّة عليهم بسبب الاختلاف من جهة أهمّية ونوعية العمل. (الرسالة 72).

[عن كتاب: رسائل القدّيس إيسيذوروس الفرمي (المجلّد الأوّل) – ترجمة المتنيّح الدكتور جورج عوض إبراهيم – إصدار المركز الأُرثوذكسي للدراسات الآبائيّة بالقاهرة]
(يُتَّبَع)
القمص يوحنا نصيف