سحر الجعارة
يراقب العالم أجمع الحالة الصحية للحبر الأعظم، البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، ليس بصفته القيادة المسيحية الأكبر في الكنيسة الكاثوليكية، بل لأنه أيضا يرأس «الكرسي الرسولي»، باللاتينية: Sancta Sedes، نظرا لكونه خليفة القديس بطرس، والذي يشكل الهيئة العليا لإدارة الكنيسة الكاثوليكية؛ وهو أيضا «رأس دولة الفاتيكان».

كان للبابا في السابق دولة تُعرف باسم الولايات البابوية، غير أنّ توحيد إيطاليا قد أدى إلى إنهائها، وأدى إلى نشوء دولة الفاتيكان عام 1929 بمثابة رمز لاستقلال الكرسي الرسولي عن أي سلطة سياسية في العالم.

تم تنصيب البابا فرنسيس بشكل رسمي في ساحة القديس بطرس يوم 19 مارس 2013، في عيد القديس يوسف، في قداس احتفالي؛ وعُرف عنه على الصعيد الشخصي، وكذلك كقائد ديني، التواضع ودعم الحركات الإنسانية، والعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، وتشجيع الحوار والتواصل بين مختلف الخلفيات والثقافات.

بعد انتخابه حبرا أعظم، ألغى الكثير من التشريعات المتعلقة بالبابوية، على سبيل المثال، أقام في بيت القديسة مرثا، لا في المقر الرسمي في القصر الرسولي، ووُصف بكونه «البابا القادر على إحداث تغييرات».

للبابا محبة خاصة في قلوب المصريين (مسلمين ومسيحيين)، زادت بزيارته إلى مصر، التي أصر خلالها أن يقف على «كورنيش النيل» دون حراسة، وأن يطوف بشوارع مصر آمنا ناشرا رسالة سلام ومحبة.

وفي عام 2017، قرر البابا فرنسيس دعوة مسيحيي العالم وحثهم على زيارة مسار العائلة المقدسة في مصر، والتي تُعتبر بمثابة الحج المقدس.

وأقام البابا فرنسيس القداس الذي بارك خلاله أيقونة رحلة العائلة المقدسة في مصر، داعيا العالم لزيارة مصر. وألقى الحبر الأعظم كلمة للحاضرين، قال فيها إنّ مصر بلد السلام، ودعا لمصر أن تكون دائما في سلام.

مشيدا بهذه الأرض التي وصفها بأنّها (الأرض المباركة عبر العصور بدم الشهداء والأبرار الثمين، والتي عاش فوقها القديس يوسف والعذراء مريم والطفل يسوع، والكثير من الأنبياء).

وفي ختام كلمته، قال البابا إن مصر هي (أرض التعايش والضيافة.. أرض اللقاء والتاريخ والحضارة).

وقد عُرف الحبر الأعظم البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، بالعديد من الصفات والألقاب، ولعل أشهرها «بابا الفقراء» و«بابا السلام»، إذ تؤكد سيرته حرصه الدائم على مساعدة الفقراء بغضّ النظر عن الدين والعرق والجنس، كما كانت له مواقف مؤثرة تجاه اللاجئين وفقراء المهاجرين، لا سيما في السنوات الأخيرة التي شهدت العديد من الحروب والأزمات في بقاع مختلفة من العالم.

وقرّر البابا فرنسيس السماح للنساء بالمشاركة كأعضاء يمتلكون حقّ التصويت، ضمن أعمال مجمع الأساقفة أو السينودس، وذلك في إطار تعديلات على آليات التصويت أُعلن عنها في الفاتيكان، وتشمل السماح للكاثوليك العلمانيين - أي الذين لا يشغلون أي منصب كهنوتي أو ديني - بالتصويت على قرارات المجمع.

وبحسب هذا القرار، أصبح نصف العلمانيين الذين يمتلكون حق التصويت من النساء، وقد مُنح الحق ذاته لخمس راهبات يشاركن في أعمال المجمع كممثلات لرهبانيتهن.

وبهذا القرار الأخير، قد يتغير تماما أداء الكنيسة الكاثوليكية بالانتصار للإنسان في «حقوقه المدنية»، وأولها الوجود العلماني في الفاتيكان!
نحن إذا أمام حاكم دولة إصلاحي ورجل دين ليبرالي منفتح على العالم، جدّد بالفعل دماء الكنيسة الكاثوليكية.

وأثناء كتابة هذا المقال، كانت قد ترددت أنباء عن وفاة الحبر الأعظم، تم تكذيبها، ومن البروتوكولات المعمول بها هناك، أن الأطباء هم من يؤكدون وفاة البابا في بيان، برغم تقاليد تملي أيضا ضرورة تأكيدها من قِبَل مسؤول يسمونه Camerlengo بالإيطالي، أو «خادم الغرفة»، المفترض أن ينادي باسم البابا ويحاول إيقاظه لتأكيد وفاته إذا لم يستجب.

وفق ما ورد بوسائل إعلام دولية عدة، ذكرت أيضا أنّ المفترض بعد الوفاة «تدمير خاتم البابا، الذي يستخدمه للتوقيع وختم الوثائق» بعد أن أنهت الوفاة حكمه كرئيس لإحدى أكبر الديانات.. ورئيس «أصغر دولة في العالم».

سوف يبقى البابا فرنسيس رسولا للمحبة والإنسانية والسلام في ضمير العالم.. سوف يبقى في قلوب الفقراء والمهمشين وضحايا الحروب والنزاعات والصراعات بما قدمه من جهد لإنصافهم: صلّوا من أجله.
نقلا عن جريدة الوطن