هاني صبري - الخبير القانوني والمحامي بالنقض
وافق مجلس النواب على مقترح الدكتور علي جمعة، رئيس لجنة الشئون الدينية، بإضافة مادة مستحدثة إلى مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، تمنح الورثة وولي الدم حق التصالح بشأن جرائم القتل .

نص المادة المستحدثة"مع عدم الإخلال بسلطة رئيس الجمهورية في العفو عن العقوبة أو تخفيفها، يجوز لورثة المجني عليه أو وكيله الخاص إثبات الصلح في الجرائم المنصوص عليها في المواد 213، 223، 234، و235 من قانون العقوبات، وذلك إلى أن يصدر فيها حكم بات، ويترتب على الصلح في هذه الحالة تخفيف العقوبة وفقًا للمادة 17 من قانون العقوبات."

التساؤل الذي يطرح نفسه هنا أين حق المجتمع  ؟
معني هذه المادة أن يفلت القاتل من عقوبة الإعدام مادام معه فلوس يدفع ويتصالح ، لكن الفقير الضعيف الغلبان الغير قادر على دفع الدية يعدم ؟!
ناهيك عن ربما يتعرض ورثة القتيل للتهديدات والضغوط عليهم من قبل القاتل أو ذوية لقبول التصالح.

فعلي الرغم من وضع الشريعة الإسلامية قواعد محددة فى دفع الدية فى جرائم القتل سواء العمد أو الخطأ، طبقاً للشريعة الإسلامية فإن قبول أولياء الدم الدية يعنى إسقاط عقوبة (القصاص) في القتل العمد ، إلا أن القانون المصرى لا يعترف بتطبيق الدية  ، لأن فرض العقوبات على الأفراد المجرمين سوف يردع أو يمنع مجرمًا معينًا من ارتكاب جرائم أكثر، وعند معرفة الناس أنهم سيُعاقبون على جرائم مؤكدة سيمنع الآخرين من ارتكاب الجرائم.

تجدر الإشارة انه بإستحداث هذه المادة إذا تم إقرارها سيدخل نظام الدية في تقدير العقاب.

وأن المادة 17 من قانون العقوبات يجوز في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة تبديل العقوبة على الوجه الآتي:

عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد.عقوبة السجن المؤبد بعقوبة السجن المشدد أو السجن.عقوبة السجن المشدد بعقوبة السجن أو الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ستة شهور عقوبة السجن بعقوبة الحبس التي لا يجوز أن تنقص عن ثلاثة شهور.وهذا مؤداه يمكن النزول بالعقوبة نظرا للظروف التي كان يمر بها الجاني وقت ارتكاب الجريمة أو نظرا لظروفه الصحية أو سن المتهم، أو قبول الدية من عدمه وهذا يرجع إلى تقدير القاضي نفسه.

جدير بالذكر  إن إسقاط الحق الشخصي لا يلزم منه دائماً سقوط الحق العام؛ الذي هو حق المجتمع – مُمَثّلاً في الدولة – في معاقبة الجاني؛ الذي قد أخل بأمن المجتمع وسلامته واستقراره بجرمه الذي ارتكبه.

في تقديري يجب الحفاظ على حق المجتمع في إنزال العقاب على المجرمين من قبل السلطات المختصة ، وهذا الحق لا يمكن التنازل عنه وان إعمال نظام الدية في النظام العقابي ضد أعمال دولة سيادة القانون.

قد يطعن البعض بعدم دستورية على تلك المادة المستحدثة إذا اقرت، وفي حالة قبول ورثة القتيل التصالح يتم إلغاء عقوبة الإعدام في جرائم القتل للذي يدفع الدية ويصدر حكم الإعدام على غير القادر وهذه المادة  فيها تمييز بين المواطنين، وتتعارض مع حماية حق الإنسان في الحياة وفقاً لمبادئ الدستور  المصري في المواد 59 و 60 و 61 وغيرها ، مبيناً وجه الطعن بأن المشرع قد أغفل حق حماية حق الانسان في الحياة  وهو واجب التطبيق ، وأن تعديل هذه المادة بهذه الكيفية سيعرض ورثة القتيل وذويهم للخطر الجسيم وفيه تمييز بين المتهمين، وان حياة الفرد ستصبح متوفقة على قبول تصالح الورثة. وأن عفو أولياء الدم يعيد المحكوم عليه إلى حالة البراءة الأصلية وفقاً لقواعد الدية.

أن الإقرار الدستورى للحقوق والحريات ومنها الحق فى الحياة وسلامة الجسد يجعل هذه الحقوق تتمتع بالحماية الدستورية، بحيث إذا اعتدى المشرع على هذه الحقوق أو انتقص منها أو أهدرها، فإن ما يصدره من تشريعات فى نطاق سلطته التقديرية تكون مشوبة بالانحراف فى استعمال السلطة التشريعية.

ولعل ما جاء به دستور 2014 فى المادة (99) منه بالنص على أن: كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التى يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم, وللمضرور إقامة الدعوى الجنائية بالطريق المباشر. وعلى ذلك جعل دستور 2014 من واقعة الاعتداء على الحقوق والحريات جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا الدعوى المدنية الناشئة عنها بالتقادم. والمحكمة الدستورية العليا فى مصر منوط بها حماية الحقوق وذلك ببيان الحدود التى يجب أن يقف عندها المشرع، ولا يجوز له بالتالى أن يتخطاها.

في احد أبحاثي في الحصول على درجة الماجستير  في القانون كنت أطالب بإلغاء عقوبة الإعدام في قانون العقوبات على الجميع ويحل محلها عقوبة السجن الموبد أو المشدد وليس إلغاء الإعدام لمن يدفع أموال لورثة القتيل لعدم تطبيق عقوبة الإعدام على القاتل .

ويتساءل الكثيرين هل جرائم القتل '>الدية في جرائم القتل تقنين لهذه الجرائم ام ماذا.؟!.

هناك حرمة للدماء عند الله جل وعلا وأنها ليست رخيصة يسفكها من شاء في أي وقت شاء مقابل دفع دية لورثة القتيل،  بل حياة الانسان  عظيمة عند الله، فوقوع العقوبة على القاتل يردع هؤلاء الذين يفكرون مجرد تفكير في الاعتداء على الناس. ويضمن الحياة للمجتمع كله. وحياة يأمن فيها كل فرد على نفسه لأنه يعلم يقيناً أن هناك عقوبة عادلة تنتظر كل من يتعدى على حق الإنسان في الحياة.

من المقرر أن الشريعة الإسلامية قد أعطت لولي الأمر فرض عقوبات بالنسبة لصالح المجتمع واستقراره، والنيابة العامة هي القوامة على الدعوى العمومية التي تقام على المتهمين دون حاجة لدعوة أولياء الدم في مثل هذه الجرائم، ولما كان ولي الأمر وهو المشرع في الدولة قد رأى أن جريمة القتل العمد هو حق على المتهم الإعدام لتعلق هذه الجريمة بأمن المجتمع ذاته. ومن ثم فلا مجال لإعمال عفو أولياء الدم، وهو ما يتمشى مع قواعد العدالة والمنطق والقول بغير ذلك يجافي قصد المشرع وقواعد الشريعة إذ أنه لو اعتبرنا جريمة القتل المقترن من جرائم القصاص التي تنطبق عليها أحكام الشريعة الإسلامية لترتب على ذلك أمور تتنافي مع العقل والمنطق فإذا كانت جريمة القتل مقترنة بجريمة السرقة ليلاً مع التعدد وحمل سلاح – واعتبرت جريمة قصاص يعاقب عليها بمقتضي الفقرة الثالثة من المادة 332 وهي الحبس مدة لا تقل عن سنة في حين أن الجريمة لو كانت جريمة سرقة ليلاً مع التعدد وحمل سلاح فقط يعاقب عليها بالسجن المؤقت مما لا يمكن قبوله عملاً بقواعد العدالة والتفسير الصحيح للقانون.

وهذه المادة لو تم إقرارها بحالتها الراهنة ستضر المجتمع وستصبح حياة المواطن مستباحة مادام القاتل سيدفع الدية وينتهك أقدس حق جدير بالحماية وهو حق الانسان في الحياة مادام القاتل سيدفع ثمن قتله.

وبناء عليه فإنني أناشد مجلس النواب عدم إقرار تلك المادة احتراماً لدولة سيادة القانون، وان هذه المادة فيها شبهة عدم دستورية. فضلاً عن أن حياة الانسان لا تقدر بثمن وفظاعة القتل العمد لا يمكن وصف تداعياته بدون إنزال العقاب المناسب على القاتل تحقيقاً للردع العام والخاص لمنع كل من تسول له نفسه التعدي على أرواح الأبرياء  .