القمص يوحنا نصيف
نختتم في هذا المقال ما بدأناه، بعرض مقتطفات من تعليقات وتأملات جميلة للقدّيس إيسيذوروس الفرمي، كان يكتبها في رسائله، توضيحًا وإجابةً لأسئلة واستفسارات حول معاني في الكتاب المقدّس.
16- لماذا لم يحوِّل الربّ الحجارة إلى خبز؟ (مت4: 3-4). أيّها النبيل، الحجارة لم تَصِر خبزا بواسطة المسيح، ليس لأنّه لم تأتِ بعد الساعة للمعجزات، كما يثرثر المدَّعين، بل لأنّ الطلب كان طلبًا باطلاً، ولأجل تفاهة الذي طلبه. لأنّ الله يمنح كلّ شيء بحدود وقياس، وطبقًا للاحتياج. إذن، بما أنّ المطلوب نافلٌ وزائد عن الحاجة، لذلك لا تحدث المعجزة. (الرسالة 76).
17- (مت6: 3): ناموس الربّ -أيّها الحبيب- الذي ينصحنا: "فلا تُعَرِّف شمالك ما تَفعَل يمينك"، ليس مخفيًّ وغير ظاهر، بل واضح جدًّا ومُدرَك إدراكًا تامًّا لليقظين.. لا تصنع المحبّة بدافع محبّة الظهور، ولا تَدَعْ فِكر التفاخُر يُصاحِب أيّ إنجاز تفعله، بل حين تصنع أعمالاً صالحة لا تتعمّد ظهورها، ولا تفتخر بكبرياء حين تفعلها. لا تسعى هُنا إلى الفوز بالتصفيق، بل انتظر أكاليل الدهر الآتي. (الرسالة 84).
18- (يو21: 15-17): سؤال الربّ الثلاثي إلى بطرس إن كان يحبّه، لا يخلق شكوكًا بأنّ الربّ لا يعرف. ليتهم لا يقولون كلامًا غير معقول. بل بالإقرار الثلاثي [من بطرس]، أزال [يسوع] الطبيب الصالح [آثار] الإنكار الثلاثي. (الرسالة 103).
19- (مر13: 32): لماذا يَجلِب المُجَدّفون على أنفسهم دينونة الربّ؟ لماذا يُشعِل محاربو الله بالأكثر نيران الجحيم؟ يقولون إنّ الربّ لا يعرف [موعِد] اليوم الأخير. المسألة ليست أنّه لا يعرف اليوم الأخير (حاشا، ليت هذا الفكر يبتعد عنّا)، لكنّ الربّ تَجَنَّبَ أن يردّ على الأسئلة غير المفيدة. لأنّه كيف مِن الممكن أن يَجهَل خالق الدهور (عب1: 2) الساعة أو اليوم؟ وهو الذي فيه مُذَّخَر كلّ كنوز الحكمة (كو2: 3)! لم يكُن بسبب الجهل أن يتنبَّأ بالعلامات والتهديدات ويَصِف اليوم الأخير بمواصفاته كما لو كان حاضرًا.. لكنّه لم يُعطِ إجابة عن سؤال غير مفيد. لأنّه، أَخبِرْني: ما فائدة أن نَعرِف [موعِد] اليوم الأخير؟ لفائدتنا ألاّ نَعرِف، حتّى يكون بالنسبة لنا أيّ يوم كأنّه هو ذلك اليوم، لكي نكون متأهّبين وفي حالة يقظة على الدوام، وننتظر قدوم الربّ. (الرسالة 117).
20- "كونوا حكماء كالحيّات" (مت10: 16). ينصحنا الربّ بأن نكون حُكماء كالحيّة؛ أي لنحافظ في كلّ تجربة على "رأسنا"، الذي هو "إيماننا". لأنّ الحيّة في كلّ الحالات الصعبة التي تمرّ بها، تُحافِظ على رأسها من أيّ ضرر. أيضًا بطريقة يقظة تكشط جلدها القديم، وهي تمرّ من داخل ثقب ضيّق، مُتَخَلِّصةً هكذا من الشيخوخة. إذن، يُريد الربّ أن نكشط أو نُغَيِّر نحن أيضًا الإنسان العتيق المملوء من الشرور، ونحن نَعبُر مِن الطريق الضيّق. وبدلاً منه نلبس الإنسان الجديد الذي يتجدَّد بصورة ذاك [يقصد صورة المسيح] (أف4: 24، كو3: 10). (الرسالة 126).
[عن كتاب: رسائل القدّيس إيسيذوروس الفرمي (المجلّد الأوّل) – ترجمة المتنيّح الدكتور جورج عوض إبراهيم – إصدار المركز الأُرثوذكسي للدراسات الآبائيّة بالقاهرة]
القمص يوحنا نصيف
* الأيقونة للفنانة المُبدِعة تاسوني سوسن. ويظهر فيها الأرملة الفقيرة التي قدّمت الفلسين من أعوازها، ومدحها الربّ يسوع قائلاً أنّها أعطت أكثر من الجميع. تظهر الأرملة وهي تقدّم بيمينها، بينما يدها اليسرة مضمومة لصدرها، كتصوير لطريقة العطاء التي يفرح بها المسيح والتي فيها لا تعلم شمالنا ما تفعل يميننا!