القمص يوحنا نصيف
يسعدني نشر مجموعة جديدة من التأمّلات الروحيّة، والتي لم تُنشَر من قبل، لأبينا الحبيب المتنيّح القمص لوقا سيداروس. ومعظم هذه التأملات عن أناجيل فترة الصوم المقدّس.
الحقيقة أنّ القمص لوقا سيداروس كان يعشق قراءة الكتاب المقدّس، ويدوّن الكثير من التأملات باستمرار، في أوراق كثيرة.. فكانت القراءة والكتابة هي متعته الروحيّة مع الصلاة، بل أنّ آباءنا الأوائل يعلّموننا أنّ "القراءة هي ينبوع الصلاة النقيّة". هكذا كان أبونا لوقا منطلِقًا في الصلاة والعظات لأنّه أحبّ كلمة الله جدًّا، وكان يتأمّل فيها بالليل والنهار.
يقول البعض عندما يرون أبونا لوقا يَعِظّ بدون ورقة في يده، أنّه لم يكُن يقوم بتحضير عظاته؛ وفي الحقيقة هذا ليس صحيحًا أبدًا، فعندما نرى الأوراق الكثيرة التي كان يكتب فيها بخطّ يده العديد من التأمّلات، نفهم كيف كان يشبع تمامًا أوّلاً من كلمة الله في مخدعه، وبعدها يتبقّى ترتيب أفكاره أثناء إلقاء العظات، مع قيادة النعمة التي كانت تفيض عليه وهو يعظ.. فكانت الكلمات التي تخرج من فمه مُشَبَّعة بالنعمة والروح والغِنَى الإنجيلي، لذلك كانت تنفذ إلى القلب مباشرةً!
لقد ترك أبونا لوقا بعد نياحته الكثير من الأوراق والمذكّرات والخواطر والتأمّلات الروحيّة، التي كان مشغولاً بها على مدى حياته؛ البعض منها تمّ نشره في كتب ومقالات، والبعض لم يُنشَر بعد..
بنعمة المسيح في فترة الصوم المقدّس هذا العام، تمّ تجهيز بعضًا من هذه التأمّلات، لكي تُنشَر تباعًا من أجل تعزية وبنيان الكثيرين في المسيح.
البداية بكلمة بسيطة سجّلها أبونا في مذكّراته عن الصوم والصلاة.
بركة صلوات أبينا الحبيب المتنيّح القمّص لوقا سيداروس تكون معنا. آمين.
القمص يوحنا نصيف
+ + +
اقتدار الصوم والصلاة
ما أحلى كلمات صلاة القِسمة التي نصلّيها في أيّام الصوم المقدس:
"الصوم والصلاة هما اللذان رفعا إيليّا إلى السماء وخَلَّصا دانيال من جب الأسود".
+ رفعا إيليّا الى السماء:
لقد كان إيليّا رجل الصلاة.. صلّى صلاةً، فأغلَقَ السّماء، فلم تُمطِر بسبب خطايا آخاب الملك وشَرّ إيزابل.. ثم صلّى أيضًا فأعطت السماء مطرًا.
وكان رجل الصوم.. الذي صام على مثال صوم مخلّصنا، أربعين نهارًا وأربعين ليلةً، وذلك بقوّة أكْلَةٍ أخذها مِن يد الملاك.
وهكذا صار الصوم والصلاة هما الجناحان اللذان ارتفع بهما إيليّا إلى السماء.
هل تريد ان ترفع تفكيرك وعقلك وقلبك الى السماء؟ تَسَلَّح بالصوم والصلاة، ففيهما قوّة عظيمة للارتفاع إلى فوق.
+ وخلَصا دانيال من جُبّ الأسُود:
كان دانيال النبيّ أيضًا رَجُل صوم وصلاة. قدّمَ الصلاة بتذلُّل واتّضاع أمام الله، قائلاً: "لنا يا سيّد خِزي الوجوه".. وكان هو والثلاثة فِتية القدّيسين رجال صوم، فامتَنَعوا عن كلّ أطايِب المَلِك، وملذّات الجسد، وأُعطوا البقول.. قدّموا أجسادَهم ذبيحة مقبولة، فلم تؤذِهِم نار الأتون، ورائحة النار لم تأتِ على ثيابهم.
ولَمّا أُلقِيَ دانيال في جُبّ الأسود، أرسَلَ الربُّ ملاكَهُ فَسَدَّ أفواه الأسود، فلم تُؤذِهِ.
فهل تريد أن تنجو من نار الشهوات التي تَحرِق العالم في هذه الأيام؟ وهل تريد ألاّ تأتي عليك رائحة النجاسة؟
تَمَسَّك بالصوم والصلاة فإنّهما مادّة الحفظ للجسد ضدّ الفساد الذي في العالم.
وأيضًا قد قِيلَ أنّ إبليس عدوّكم يجول كأسدٍ يلتَمِس أن يَبتَلِع..
فهل تريد أن تسدّ أفواه الشياطين فلا تضرّك؟
تَمَسَّك بالصوم والصلاة كدانيال؛ الذي شَهَدَ لإلَهِهِ بالصلاة المتواترة والصوم الكثير.
القمص لوقا سيداروس