ماجد سوس
في عالم يموج بالتغيرات والتحديات، يظل صوت المحبة والاتضاع هو النور الذي يضيء دروب الإيمان. ومن بين القادة الروحيين الذين جسّدوا هذه القيم بأبهى صورها، يبرز قداسة البابا فرنسيس، بابا روما، الذي يشعّ بروح المسيح في كلماته وأعماله، ساعيًا لنشر السلام بين الشعوب، وترسيخ قيم المحبة والإخاء بين المسيحيين وسائر البشر.
اليوم، ونحن نسمع عن حالته الصحية، لا يسعنا إلا أن نرفع صلواتنا إلى الله، طالبين له الشفاء العاجل، ليستمر في خدمته التي كرّس لها حياته. فقد عُرف بتواضعه العميق، حيث رفض الألقاب الفاخرة، وفضّل أن يكون "خادمًا للرب وخادمًا للبشر"، متخذًا من البساطة نهجًا، ومن المحبة لغة تخاطب القلوب قبل العقول.
لقد كانت لحظة فارقة عندما أعلن البابا فرنسيس أن شهداء ليبيا الأقباط هم شهداء الكنيسة الجامعة، مؤكّدًا بذلك وحدة الإيمان في المسيح، رغم اختلاف الكنائس. لقد وقف العالم مذهولًا أمام هؤلاء الرجال البسطاء، الذين لم ينكروا المسيح حتى اللحظة الأخيرة، مستودعين أرواحهم في يدي الله. ومن خلال كلمات البابا، شعر الأقباط أن دماء أبنائهم لم تُسفك عبثًا، بل كانت بذارًا للإيمان والشهادة الحية التي تمتد عبر الأجيال.
مواقفه هذه تعكس فهمًا عميقًا للكنيسة كجسد واحد، حيث لا تقف الاختلافات العقائدية حاجزًا أمام الاعتراف بالشهادة الحقيقية للمسيح. هذا الفكر يذكّرنا بما قاله القديس أوغسطينوس: "في الأمور الجوهرية وحدة، وفي الأمور الثانوية حرية، وفي كل شيء محبة."
نصلي إلى الله أن يمنح البابا فرنسيس القوة والصحة ليواصل رسالته في نشر المحبة والسلام، وليظل صوتًا صارخًا في برية هذا العالم، يذكّر البشرية بأن المسيحية ليست مجرد عقيدة، بل حياة تُعاش، وشهادة تُقدَّم بمحبة واتضاع.
لقد تجلّى اتضاع البابا فرنسيس في العديد من المواقف التي أظهرت محبته الحقيقية للخدمة بعيدًا عن الألقاب والمظاهر. فمنذ توليه كرسي القديس بطرس، كسر الكثير من التقاليد البروتوكولية، فاختار أن يسكن في بيت الضيافة بدلاً من القصر الرسولي، وغسل أرجل السجناء والفقراء في خميس العهد، مؤكدًا أن الراعي الحقيقي هو من يخدم شعبه بروح المسيح.
أما عن محبته العميقة للكنيسة القبطية، فقد عبّر عنها في لقاءاته مع قداسة البابا تواضروس الثاني، حيث وصف الكنيسة القبطية بأنها كنيسة الشهداء، وأعلن أن دماء شهداء ليبيا الأقباط هي بذور وحدة وشهادة للإيمان بالمسيح. كما أنه لم يتوانَ عن تقديم التعزية والدعم الروحي للأقباط في أصعب اللحظات، مؤكدًا أن الألم المسيحي هو ألم الكنيسة بأسرها، بغض النظر عن الطائفة أو المذهب.
شفاء لرجل الله، من الرب نطلب.
إننا اليوم، ونحن نصلي من أجل شفائه، نستذكر كلماته المليئة بالمحبة والاتضاع، ونتعلم من مثاله كيف يكون القائد خادمًا، وكيف يكون الإيمان شهادة حية تترجمها الأفعال قبل الأقوال. ليبارك الله هذا الراعي الأمين، وليمنحه القوة ليظل صوتًا للسلام والمحبة في عالم يحتاج إلى نور المسيح أكثر من أي وقت مضى.