بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
عضو إتحاد كتاب مصر
المسيحية ليست متعة بل هي جهاد وصبر . والسؤال أتحتمل بصبر جميع أحزان السيرة المسيحية وضيقاتها لأجل ملكوت السموات ؟ وأن أحتملت بصبر كل هذا فقد تأهلت أن تكون راهباً.
وكل نذور الميسحي لا تتم ولا تستمر إلا بالصبر وما الحياة المسيحيىة إلا صبر طويل والصبر هو الذي يدفع المسيحي إلى الكمال (لا يضيع الرب صبر التقي )( سيراخ 16: 14 ). والمسيحي ينجح عن طريق صبره على الحياة النسكية. وثباته فيها حتى النهاية. (لقد صبر أخوتنا على ألم ساعة ثم فازوا بحياة أبدية) ( مكابين الثاني 7 : 36). لقد كان القديس أنطونيوس الكبير أبو الرهبان يزاول النسك كل يوم كأنه بادئ به قائلاً (أنسى ما وراء وامتد إلى قدام) (فيلبي3 : 13 ـ 14) (أن المتقين للرب يحفظون وصاياه ويصبرون إلى يوم أفتقاده) (سيراخ2: 21 ).
فكمال المسيحي هو أن لا يبلغ أبداً إلى الكمال بل يجتهد دائماً ليبدأ . ويصبح المسيحي بصبره على كل متاعب العالم وآلامه وصبره على شهوات العالم وأهوائه الذاتية وقتاله لها شهيد، الشهيد الدائم كل يوم . (أن كنا نصبر فسنملك أيضا معه) ( تيموثاوس الثانية 2: 12 ). ولكي يستطيع المسيحي الصبر عليه أن لا ينظر إلى كم جهاده وكم نجاحه في حياته الروحية بل يشعر كأنه لا يزال في بدايته (هنا صبر القديسين هنا الذين يحفظون وصايا الله وإيمان يسوع )(رؤيا14: 12 )
هذا هو المسيحي الأمين الحكيم الذي يحافظ بصبره على همته حتى النهاية إلى أخر أيام حياته وكل يوم يزداد أضطراماً على أضطرام وحماساً على حماس وغيرة على غيرة وشوق على شوق . (في المعرفة تعفف وفي التعفف صبراً وفي الصبر تقوى )( بطرس الثانية 1: 6 ).
والمثابرة والصبر هما المؤشر على أستمرارية الحياة الرهبانية في طريقها الصحيح .....مثابرة مملؤة بكل أفراح الأنتصار والمجد الذي ينتظرنا مثابرة للوصول إلى الكمال الذي هو معاينة وجه الله، لسان حاله يقول ( وجهك يارب أطلب ) مز 27 : 8 . (أما الذين بصبر في العمل الصالح يطلبون المجد والكرامة والبقاء فبالحياة الأبدية ) (رومية 2 : 7)
والصبر في الجهاد المتواصل ضد الشيطان والجسد فهي حرب منظورة وغير منظورة في آن واحد ونمونا الروحي يتم من خلال هذا الجهاد فكلما تصادفنا صعوبات وعثرات نجاهد ضدها ونصبر ونجتازها بنجاح ننمو أكثر فأكثر ..... ( أحسبوه كل فرح يا أخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة.عالمين أن أمتحان إيمانكم ينشئ صبراً . وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شئ) (يع 1: 2 ـ 4)
وطوبى للرجل الذي يحتمل التجربة لأنه أذا تذكى ينال أكليل الحيوة الذي وعد به الرب للذين يحبونه ( يع 1: 12 ) لذا لا ينبغي أن نستسلم أبداً أو نيأس فهكذا يكون الصبر وهكذا تكون عاقبته (خذوا ياأخوتي مثال لأحتمال المشقات ........... قد سمعتم بصبر أيوب ورأيتم عاقبة الرب) (يع 1: 3 ،4 ، 12) ومن أراد أن يكسب نفسه ويربحها للمسيح فعليه بالصبر كما يقول الكتاب (بصبركم تقتنون أنفسكم) (لو 21: 19) .أذ من يصبر للمنتهى فهذا يخلص (مت 10 : 22 )
فلا غلبة بدون قتال ولا إكليل بدون غلبة اصبروا فقد قال السيد له المجد لأحبائه أما أنتم الذين صبرتم معي في تجاربي ها أنا أعد لكم الملكوت كما وعدني أبي وقد قدم السيد له المجد مثال في الصبر كيف أنه كان يسب ويعير ويهان من اليهود ولكنه كان يترأف عليهم ويحسن إليهم ويشفي أمرضهم ويعلمهم اصبروا في البلايا لتنالوا إكليل المجاهدين.
ورأينا في الأنبا أرسانيوس كيف تعلم فضيلة الصبر وكيف صبر وهو المعلم معلم أولاد الملوك على عدم الكلام بأن وضع حصاة وزنها أثنى عشر درهما في فمه لمدة ثلاث سنين لا يخرجها إلا وقتما كان يأكل أو يجيئه غريب. وقيل عن الأنبا بيصاريون رجل المعجزات أنه كان يصبر على الضيقات مسروراً .
قال شيخ إذا قمت باكر كل يوم: أمسك لك أمراً يجلب لك الصلاح، وأحفظ وصايا الله بطول الروح بمخافة الله بالصبر على الأحزان.
وقيل في بستان الرهبان وقع أخ في بلية ومن الحزن على مكانته الأولى أتلف عمل رهبانيته وكان كلما يبدأ في العمل كان يستثقل ذلك، فجاءه شيخ راهب وقال له كان لإنسان حقل مملوء من الشوك فقال لأبنه يا ابني أذهب إلى الحقل ونقه فلما رأى الولد مقدار الشوك سئم ومل ونام فقال له أبوه يا ابني نق كل يوم مقدار مفرشك ففعل الغلام كما أمره أبوه ونجح وأنت كذلك يا حبيبي أبدأ بالعمل شيئاً فشيئاً ولا تضجر وأصبر والله قادر على أن يردك إلى مكانتك الأولى وسيرتك الأولى.
(لأن الله ليس بظالم حتى ينسى عملكم و تعب المحبة التي اظهرتموها نحو اسمه اذ قد خدمتم القديسين و تخدمونهم.و لكننا نشتهي أن كل واحد منكم يظهر هذا الاجتهاد عينه ليقين الرجاء إلى النهاية . لكي لا تكونوا متباطئين بل متمثلين بالذين بالايمان و الأناة يرثون المواعيد.(عب 6: 10 ـ 12).