هاني لبيب
تحمل العديد من القمم العربية والدولية شكلًا مكررًا من الشجب والإدانة دون إجراءات فعلية وعملية.. ولكنها كانت بمثابة تسجيل تاريخ للظلم والقهر والتهجير والقتل والإبادة الجماعية للشعب الفلسطينى. ومنذ إطلاق «مبادرة السلام العربية» تحديدًا سنة ٢٠٠٢، والتى لم تستجب لها الحكومة الإسرائيلية حينذاك، ثم ما بعدها من دعوات ومبادرات عربية وأممية وأوروبية وأمريكية، تتكرر السيناريوهات نفسها؛ مما يؤكد ويدعم الشعور بأن جميعها تفتقد القدرة على التطبيق العملى.

وفى ٤ مارس الجارى، عُقدت القمة العربية غير العادية بالقاهرة، فى ظل تصاعد غير مسبوق للأزمة الفلسطينية، وجاءت مخرجات القمة وبيانها الختامى، وسط رفض أمريكى وهجوم إسرائيلى معلن، وهو ما يعكس مواقف متباينة بين ضرورة القمة وأهميتها.. فى مقابل التشكيك فيها باعتبارها مجرد استجابة شكلية دون تأثير حقيقى.

البيان الختامى أكد على مركزية القضية الفلسطينية، ورفض تهجير الشعب الفلسطينى، وضرورة وقف العدوان الإسرائيلى، والدعوة إلى عقد مؤتمر دولى لإعادة إعمار غزة، ورفض أى محاولات لتصفية القضية الفلسطينية.

رفضت الولايات المتحدة الأمريكية توصيات القمة، واعتبرتها غير متوازنة، مبررة ذلك بأن ما جاء بها لا يأخذ فى الاعتبار (حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها).. كما شنت إسرائيل هجومًا حادًا على القمة ومخرجاتها، ووصفتها بأنها (منحازة تمامًا) لصالح فلسطين.

الموقف الأمريكى- الإسرائيلى هو دليل وتعبير عن ازدواجية المعايير المعهودة فى التعامل مع الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى. والنتيجة.. دعم غير مشروط لإسرائيل، وتجاهل حقوق الفلسطينيين ومعاناتهم المستمرة.

من المؤكد أن انعقاد القمة العربية، فى ظل تلك الظروف المعقدة والمتشابكة التى تمر بها المنطقة العربية للمرة الأولى بهذا الشكل، هو فى حد ذاته إنجاز، وربما تمثل مرحلة فى سبيل تقريب وجهات نظر الموقف العربى حول فلسطين. كما أنها أعادت القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام مرة أخرى بعد أن تراجع الاهتمام بها عربيًا قبل دوليًا.

أعلم جيدًا أن التصريحات والبيانات ليست ذات فائدة، لو لم تتبعها إجراءات فعلية على أرض الواقع.. والأجدى البحث عن الاستقرار والسلام وإعادة الإعمار.. بشرط ألا يكون بديلًا عن الحل السياسى، ورفض التصعيد والدعوة للحرب والبحث والاستنتاج فيمن حضر ومن لم يحضر.. لأن مثل تلك الفعاليات تحكمها أطر دبلوماسية ووطنية ذات خصوصية لموقف ومصالح وتوازنات كل دولة.. سواء اتفقنا معها أو اختلفنا.

من المحتمل أن تحمل الأيام القادمة العديد من المواقف وردود الأفعال، خاصة فيما يخص إعادة النظر فى تطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل.. كورقة مفاوضات. كما يمكن التصعيد الدولى أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائم الحرب والإبادة الجماعية.

نقطة ومن أول السطر..

يظل السؤال: هل ستتغير سياسة دول المنطقة بعد هذه القمة؟ وهل ستسعى لأن تكون لديها استراتيجيات تتجاوز الشجب والإدانة فى ظل استمرار إسرائيل فى غطرستها من جانب، والتجاهل الأمريكى المستمر لحقوق الشعب الفلسطينى؟ وهل مازالت السياسة الدولية على يقين بأن البيانات وحدها لا تكفى؟.. وربما تكون الفرصة الأخيرة لتفعيل دور جامعة الدول العربية.

إن التحرك العربى يجب أن يكون أعمق على كل المستويات السياسية والاقتصادية لفرض مواقف جديدة تتجاوز الأنماط السياسية القديمة. ولتكن البداية مع بيان القمة العربية غير العادية الأخيرة بالقاهرة، والتى تمثل خريطة طريق محددة الأهداف والخطوات.. تحتاج إلى إرادة دولية إنسانية.. لتدخل حيز التنفيذ.
نقلا عن المصرى اليوم