الاب جون جبرائيل
«فَخَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ صَلِيبَهُ.» (يوحنّا ١٩: ١٧)
موضوع التأمُّل: عُزلة المدن
في شوارع المدينة، تحت أضواء النيون التي لا تضيء الظلم، وبين أصوات السيّارات التي تخمد صوت الحقيقة، يسير المسيح مكبَّلًا. يُحيط به جنودٌ يرتدون زيًّا رسميًّا، يحملون أسلحة حديثة ومدافع رشّاشة. اُقتيد وسط زحام المدينة، لكنّ أحدًا لم يلتفت. بعضهم أسرع الخطى كي لا يتورّط، وبعضهم أخرج هاتفه ليوثّق المشهد، بينما آخرون رمقوه بنظرةٍ باردة ثمّ مضوا إلى أعمالهم وكأنّ شيئًا لم يكن.
وعلى الرصيف، وقف أفراد منسيّون—وجوههم تحمل آثار الزمن والقهر، وأرواحهم مثقلةٌ بثقل الأيام. لم يكونوا مجرد شهود، بل امتدادًا للمصلوب في أزمنة القهر. صمتهم لم يكن استسلامًا، بل كان صرخةً أبلغ من الكلام. إنهم أبناء الأرض المنسيّة، تلك التي لا تُرى في نشرات الأخبار، والتي لا تُكتب بطولاتُ أبنائها في كتب التاريخ الرسميّ.
لم يكن المسيح يومًا قصّةً انتهت، ولم يكن حدثًا عابرًا في ماضٍ سحيق. هو المسجون ظلمًا، والمختفي بلا أثر، والمضروب في الشوارع بلا سبب. لكنّه هو أيضًا الحيُّ في كلّ من يرفض الخضوع والخنوع، في كلّ من يشهد للحقّ، في كلّ من يحمل الصليب بإرادته ويرفض أن يكون جزءًا من الجموع الصامتة.
"المسيح ليس في السماء البعيدة، بل هنا، بيننا. في وجوه المنسيين، في دماء الأبرياء، في عيون الذين لم ينحنوا. هو المصلوب في شوارعنا، وهو القائم الذي لن يسجنه القبر، والذي يدعونا لنحمل نوره في ظلمات هذا العالم."
الرسومات للفنان الأرجنتينيّ: آدولفو إسكويبيل Adolfo Pérez Esquivel