د. منى نوال حلمى        
لا أستطيع تأمل واقعنا، دون الشعور بالحسرة والمرارة. «مصر» وطنى، وبلدى، صاحبة أول حضارة فى التاريخ الإنسانى، ينتهى بها الحال إلى الصفوف الأخيرة، فى جودة الحياة، وأحوال النساء.

لكننا بلا منافس، نحتل بجدارة الصفوف الأولى، فى التحرش، ومشاهدة أفلام الجنس، والعُرى، والتحرش، والإنفاق على المنشطات الجنسية، وجرائم قتل وذبح الفتيات، باسم «الشرف». أى «شرف» هذا، الملطخ بالدم، والكراهية، والعداء؟.

كم يؤلمنى أن مجتمعاتنا لا تضيف شيئًا إلى المشهد الحضارى العالمى. أفواه للاستهلاك، وعقول للتقليد، هكذا هى ملامحنا، جيلًا بعد جيل.

ليس من المعقول أن يكون تفوقنا عام ٢٠٢٥، هو فى معدل التكاثر، ومعدل إقحام الدين فى الفضاء العام. ومن غير المقبول أن نستمر دون تغيير.

أن ننضم إلى «الماراثون» الحضارى العالمى يستلزم الأمر «قفزة» نوعية فى أفكارنا وعواطفنا وأهدافنا.

كل القفزات تحتاج إلى جرأة. لولا جرأة الخيل للقفز فوق الحواجز لما عرفنا تاريخ الفرسان. لولا جرأة قفزات الأمواج لما كان البحر. ولولا جرأة القلوب للقفز فوق السحاب لما سقطت أمطار الحب.

كلنا، على اختلافنا، وأيًّا كانت مواقعنا، نشتاق إلى أن «نقفز» فوق أى حاجز. لا يهم عدد الحواجز. حاجز واحد، يمكنه إدخال الهواء النقى إلى صدورنا، ويعيد ثقتنا بأنفسنا.

لا يهم أى حاجز، نقفز، وأين يكون ذلك الحاجز، ومدى ارتفاعه. المهم أن تحدث «القفزة» ذاتها. منْ «يقفز» مرة يمكنه أن «يقفز» مرة ثانية. ومنْ يقفز مرة ثانية يستطيع أن «يقفز» مرة ثالثة. الفكرة كلها هى أن تتولد إرادة «القفز»، التى تفجر «الجرأة» الضرورية، لتكملة السِباق.

ويتصدر «الخوف» دائمًا، قائمة الأعداء المتربصين، لإجهاض «القفزة» الفكرية، أو «القفزة» العاطفية، أو «القفزة» الحضارية.

نستطيع أن نكتب تاريخ الشعوب، بالتعرف على المخاوف المهزومة. نستطيع أن نتابع التقدم فى حياة النساء، والرجال، بمتابعة المخاوف التى استطاعوا القضاء عليها.

فى مجتمعاتنا نربى «الخوف» ونجدد له أثوابه، واللغة التى يخاطبنا بها. نحن شعوب «خائفة»، نفضل الجمود، والتخلف، على اكتشاف آفاق جديدة.

نخاف من المجهول.. والمعلوم، نخاف المغامرة.. نخاف المخاطرة.. نخاف الجديد.. نخاف نفرح.. نخاف نضحك.. نخاف الوحدة.. نخاف الزمن.. نخاف أن نحب، وأن نعشق.. نخاف الله.. نخاف من الفشل.. نخاف الاختلاف.. نخاف من النقد.. نخاف من رواية تكشف علاقاتنا المزيفة.. نخاف من قصيدة تفضح أخلاقنا الهشة.. نخاف من امرأة لا تغطى شَعرها.. ورجل يعادى الذكورية. طفلة لا تسمع الكلام تخيفنا.

ويمثل «الخوف من كلام الناس»، بصفة خاصة، «طفلنا المدلل»، الفاسد، الخبيث. نظل نكبره، ونرعاه، ونحميه؛ حتى يصبح وحشًا ضاريًا يلتهم لحمنا ويتسلى بعِظامنا.

لماذا يهمنا «كلام الناس»، ولا يهمنا تحقيق رغباتنا؟، لماذا نعطى «كلام الناس» أولوية، على راحتنا، وسعادتنا، وصدقنا، وحريتنا؟. تأتينا القدرة على إسكات ضمائرنا ولا تأتينا القدرة على إسكات «كلام الناس»، نبالى بعقاب الناس، أكثر مما نبالى بعقاب الله!.

لماذا وكيف تؤرقنا «نظرة الناس» لنا ولا تؤرقنا نظرتنا إلى أنفسنا؟. لماذا وكيف يشغلنا احترام الناس لنا ولا يشغلنا احترامنا لأنفسنا؟. يسعدنا رضاء الناس عنا ولا يسعدنا أن نرضى أنفسنا؟.

«مقاييس الناس» نمشى وراءها بالحرف الواحد. «صوت الناس» نرهف له السمع. بينما نخرس صوتنا الداخلى، ونكتم أنفاسه.

كم من الأفكار، التى يجب الإيمان بها، لكننا نحاربها، خوفًا من كلام الناس! كم من القصائد الجريئة، والأفلام المقتحمة، والروايات المتجاوزة، ترقد حبيسة النفوس، والأدراج، خوفًا من كلام الناس! كم من علاقات الحب، ماتت قبل أن تولد، خوفًا من كلام الناس! كم من النساء، مستسلمات للإحباط، والخضوع، والتعاسة، لأن كلام الناس مسلط عليهن! وكم من الرجال يشتاقون إلى كسر روتين الحياة، والانطلاق إلى آفاق جديدة، ولا يفعلون، لأن كلام الناس «كتير ومبيرحمش»!.

إن الخوف من الحياة يظل يأكلنا حتى يقضى على وجودنا بأكمله. فى كثير من الأحيان تكون العقبات التى نخافها أوهامًا صنعها الخوف. بمعنى آخر إن «ظلّ» الخوف كبير، لكنه فى الحقيقة ضئيل وذو حجم صغير.

ويتعلم الإنسان الذى يفتح نوافذه لتجديد الهواء أن التغيير هو محصلة كسر المخاوف، وأنه لا يجب أن يفوت يومًا، دون الانتصار على «خوف» ما.

بمرور الوقت، أدركت أن «السعادة» ليست إلا أن أفعل بالضبط ما «أخافه». علمتنى الحياة أن «كلام الناس» هو «الطريق المختصر» للفشل وإهدار العمر.

* * *

خِتامه شِعر

لا تسلنى عن اسمى

فالأسماء كلها

لا تنصفنى

لماذا تسألنى عن اسمى؟

والأسماء كلها

أصفاد تكبلنى

هل يفيدك شئ لو كنت

فريدة أو نوال أو علياء؟

ماذا يضيرك لو أسميتنى «حبيبتك»

وأضرمت النار فى كل الأسماء؟
نقلا عن المصرى اليوم