الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
فسخَّروا رجلًا كان آتيًا من الحقل، هو سمعان القيروانيّ... ليحمل صليبه
(مرقس 15 :21)
موضوع التأمّل: التمييز العنصريّ
في هذا المشهد الذي ورد في إنجيل مرقس، يظهر سمعان القيرواني في صورة "الغريب" الذي يُسخر لحمل عبء الصليب. ومن اللافت أن هذا الرجل، الذي كان في طريقه من الحقل، يُدفع فجأة ليحمل حملًا ثقيلًا عن يسوع. فهو لم يكن جزءًا من القصة سابقًا، لكنه أصبح جزءًا لا يتجزأ منها في تلك اللحظة. إن سمعان القيرواني لا يمثل فقط شخصًا كان في الطريق، بل هو أيضًا يمثل الصورة الرمزية للإنسان الذي يُسخر في عالمنا اليوم، سواء كان لاجئًا أو منتميًا إلى فئة مهمشة.
لا شك أن هذه اللحظة تمثل رمزًا عميقًا في فهمنا اللاهوتي. فالحمل الصليب في اللاهوت المسيحي لا يعني فقط تحمّل الألم، بل هو تعبير عن الشراكة في المعاناة الإنسانية. كما يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل فيلبي: "إذًا، إن كان هناك أي عزاء في المسيح، أي تعزية في المحبة، أي شركة في الروح..." (فيلبي 2:1)، يُحث المؤمنون على الاتحاد مع المسيح في آلامه، وأن يكونوا في محبة غير مشروطة لكل من هم في معاناة.
سمعان القيرواني، الذي كان يُعدّ "غريبًا" في المدينة، يحمل صليبًا ثقيلًا ليس من أجل نفسه، بل من أجل المسيح الذي كان يتألم. بهذا المعنى، يصبح سمعان رمزًا لأولئك الذين يُحمّلهم المجتمع، من دون ذنب. في هذه اللحظة من التأمل، يمكننا أن نرى في سمعان كل من يعاني من التمييز العنصري، من تُرفض إنسانيته لمجرد أنه مختلف في اللغة، أو العرق، أو الدين.
وفي السياق الروحي، نتأمل في كيفية التقاء العبد والحر في هذا الحمل المشترك. إذ إنّ المسيح في صليبه يمثل كل إنسان مظلوم، وكل إنسان مضطهد. ولكن الحمل ليس عبئًا في حد ذاته، بل هو دعوة للتحرير الروحي. وكما كان سمعان القيرواني يحمل صليب يسوع، فإننا مدعوون جميعًا لحمل صليب الحقيقة، وقبول المسؤولية تجاه محنتهم، والمساهمة في تخفيف معاناتهم.
في واقعنا الحالي، نجد أن المجتمعات ذات الهويات المختلفة تتعرض في كثير من الأحيان للاضطهاد والتشويه. من اللاجئين إلى الفئات التي تُتهم بالانتماء إلى أماكن صراعية، نرى أن هؤلاء يُحملون عبئًا ثقيلًا من القلق المجتمعي. وفي هذا الحمل، يبرز دور الكنيسة الحقيقية التي لا تنحاز إلى الأنظمة القمعية، بل تسعى لتحرير البشر من قيود التمييز.
اللاهوت المسيحي لا يقتصر فقط على التحليل الروحي للمفاهيم، بل يشمل أيضًا العمل في الواقع لتغيير هذا العالم الذي أُعطي لنا. كما يقول يسوع في الإنجيل: "إنما جئت لتكون نورًا للعالم" (يوحنا 8:12). نحن مدعوون لأن نكون أنوارًا للعدالة والرحمة، ولا يمكن أن نكون نورًا حقيقيًا إذا أغفلنا معاناة الآخرين، وإذا سمحنا للتمييز العنصري أو الاجتماعي بأن يستمر في تشكيل عالمنا.
هل نحن مستعدون للوقوف بجانب من هم مظلومون في هذا العالم؟ هل يمكننا أن نكون مثل سمعان القيرواني، ونكون مستعدين لتحمل العبء، دون النظر إلى العرق أو الدين أو الجنس؟ الحقيقة تكمن في أننا مدعوون لأن نكون شركاء مع المسيح في كل معاناة، وأن نكون سفراء للعدالة في عالم مليء بالظلم. إن هذا لا يعني التغيير الاجتماعي فحسب، بل يشمل أيضًا التغيير الروحي الذي يحررنا جميعًا من قيود الأنا والتمييز.
الأب جون جبرائيل الدومنيكانيّ
الرسومات للفنان الأرجنتينيّ: آدولفو إسكويبيل Adolfo Pérez Esquivel