حمدى رزق
لفتتنى رسالة عدد معتبر من مثقفى مصر ومحبيها إلى قداسة البابا «تواضروس الثانى»، بطريرك الكرازة المرقسية، تطالب بإعادة العمل بما يسمى «جلسات النصح والإرشاد» التى جرى إلغاؤها قبل ما يزيد على عشرين عامًا، بقرار من وزير الداخلية وقتئذ، اللواء «حبيب العادلى»، فى أعقاب قضية «وفاء قسطنطين» الشهيرة.
يطالب المثقفون قداسة البابا برفع مطلبهم فى رسالتهم إلى السيد الرئيس، مع ثقتهم الكاملة فى تفهم سيادته لهذا المطلب فى سياق يقينه الذى يعبر عنه صريحًا بـ«حرية الاعتقاد»، ويعولون على أريحية سيادته فى دراسة المطلب العادل توقيًا لفتنة خفية تعمل على تأجيجها أيادٍ خارجية لسبب حوادث متفرقات لاختفاء فتيات مسيحيات وأسلمتهن ترغيبًا أو تهديدًا.
جلسات النصح والإرشاد نص عليها الكتاب الدورى رقم (٤٠ لسنة ١٩٦٩) الصادر عن وزارة الداخلية، وتحدد فيه الوزارة إجراءات إشهار الإسلام.. ومن الكتاب:
* يتقدم المسيحى الراغب فى اعتناق الإسلام بطلب إلى مديرية الأمن التابع لها أو التى يباشر أعماله فى نطاق اختصاصها ولا تُقبل الطلبات التى تخالف ذلك.
* تقوم مديرية الأمن بتحديد موعد للطالب، يحضر فيه إلى مقر المديرية، ويتم إخطار (واعظ) لإسداء النصح والإرشاد، فإذا لم يحضر الواعظ أو القسيس تحدد المديرية موعدًا آخر، ثم تسير الإجراءات فى طريقها المعتاد إذا لم يحضر.
* خلال الجلسات، تكلف مديرية الأمن (مندوبًا) تكون مهمته (فقط) التأكد من هدوء الاجتماع وصحة مجرياته، فإذا قبل المتقدم بالطلب الاستمرار فى دينه الأصلى يتم حفظ الطلب، وإذا أصر على إشهار الإسلام يتم توثيقه فى مكاتب الشهر العقارى.
جرى التفاهم بين وزارة الداخلية ومشيخة الأزهر الشريف على أن تقوم (لجنة الفتوى بالأزهر) بإرسال أوراق طالب إشهار الإسلام إلى مديرية الأمن الواقع بدائرتها محل إقامة طالب إشهار الإسلام.. وكانت الإجراءات تتم سواء بقبول إشهار الإسلام أو العدول عنه، بسهولة ويسر وطمأنة أسر الحالات.
جلسات النصح والإرشاد شكّلت حلًّا، من جهة تيقن (حرية العقيدة) عن اقتناع، ومن جهة وفرت ضمانات تترجم تطمينات لأهل الفتاة التى تطلب إشهار إسلامها بعيدًا عن مهددات الغصب أو مغريات الجذب.
الجلسات كانت محل اعتبار من عموم المسيحيين وكنائسهم وقيادتهم الروحية، ومحل تراضٍ من المسلمين على قاعدة مسلم بها «لا إكراه فى الدين» (سورة البقرة/ ٢٥٦).
أوقف وزير الداخلية الأسبق «حبيب العادلى» العمل بجلسات النصح والإرشاد تحت ضغط تظاهرت ضد عودة وفاء إلى المسيحية وفق جلسات النصح والإرشاد.
آخر جلسة (جلسة وفاء) عُقدت فى (٨ ديسمبر ٢٠٠٤)، وبُحّ صوت المسيحيين منذ هذا التاريخ، وقدموا مئات المذكرات، ورفعوا عشرات القضايا، ولا مجيب، ما خلّف قلقًا مسيحيًّا، استغلته منابر ومنصات خارجية متربصة تأسيسًا على حوادث متفرقات بين الفينة والأخرى.
أضم صوتى إلى الأصوات فى الرسالة، وأتمنى قراءة سطورها وما بين السطور، ويقينى أنها ستجد تفهمًا من قيادة سياسية تعلن إيمانها العميق بـ«حرية الاعتقاد»، وتعتنق المبدأ الإسلامى الأخلاقى السامى، فى قوله تعالى: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ» (البقرة/ ٢٥٦).
وتوقيًا لشكوك حقوقية قد تُثار هنا وهناك، وحتى لا يحتكر النصح والإرشاد رجال الدين، يُستحسن إضافة (مراقب حقوقى) من المجلس القومى لحقوق الإنسان مثلًا إلى هذه الجلسات، (تُعقد تحت نظره كشاهد عيان)، لتوكيد معانى الرضا والقبول وحرية الاختيار، التى هى عين حرية الاعتقاد.
نقلا عن المصرى اليوم