بقلم الراهب القمص يسطس الأورشليمى
كتاب وباحث في التاريخ المسيحى والتراث المصرى
وعضو إتحاد كتاب مصر
خروج يسوع إلى البريّة
ثمّ سار الروح ليجربه إبليس . فصام أربعين يوما وأربعين ليلة حتى جاع. فدنا منه المجرب وقال له : " إن كنت ابن الله ، فمر أن تصير هذه الحجارة خبزا " . فأجابه : " مكتوب : ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله " . فمضى به إبليس إلى المدينة المقدسة وأقامه على شرفة الهيكل ، وقال له : " إن كنت ابن الله فالق بنفسك إلى الأسفل: فإنه يوصي ملائكته بك فعلى أيديهم يحملونك لئلا تصدم بحجر رجلك " . فقال له يسوع : " مكتوب أيضا : " لا تجرب الرب إلهك" . ثم مضى به إبليس إلى جبل عال جدا وأراه جميع ممالك الدنيا ومجدها، وقال له : " أعطيك هذا كله إن جثوت لي ساجدا " . فقال له يسوع : " إذهب ، يا شيطان ! لأنّه مكتوب : " للربّ إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد " . ثم تركه إبليس ، وإذا بملائكة قد دنوا منه وأخذوا يخدمونه . متى ٤: ١-١١
على قمة الجبل فوق الدير يمكن مشاهدة بقايا كنيسة بيزنطية مبنية على ذكرى التجربة الثالثة. في الواقع تقدم لنا قمة الجبل مشهدا خلابا لوادي الأردن وحتى جبال موآب.
جبل ودير قرنطل ( جبل التجربة ) :
كانت مدينة أريحا البيزنطية في الموقع الحالي نفسه للمدينة ، وهو الموقع الذى انتقل إليه مركز المدينة من تلول أبو العلايق الى الجنوب بحوالي 2 كم ، وقد خلف البيزنطيون في هذه المنطقة عددا كبيراً من الكنائس والأديرة ، وأهم هذه جميعاً دير قرنطل . يرتفع جبل قرنطل حوالي 350 متراً عن السهل المحيط به ، وهو يقابل وادي الأردن من الغرب . هنا قضى السيد المسيح أربعين يوماً وليلة صائماً وتعرض خلال هذه الفترة لإغراءات مختلفة من الشيطان ولكنه صمد ولم يقع في حبائل الشيطان . عند زيارة الدير المحفور في الصخر في سفح الجبل يجلس الرهبان زوارهم على الصخرة التى جلس عليها السيد المسيح أربعين يوماً متعرضاً لامتحانات الشيطان . في الحقيقة ان الكهوف الكثيرة الواقعة في سفح الجبل قرب الدير كانت جميعاً في الماضى أديرة سكنها الرهبان طلباً للعزلة والتنسك تخليداّ لذكري صيام السيد المسيح ، ولكنها اليوم غير مأهولة . الطريق الصاعدة إلى الدير شديدة الانحدار رغم التحسينات التي أدخلت عليها حديثاً ، ولكن زيارة الدير تستحق العناء بكل تأكيد . وقد جري مؤخراً تسيير قطار هوائي لنقل السياح من أمام تل السلطان إلى الدير " تلفريك أريحا " ، من الدير يمكن مشاهدة قلعة الدوك على قمة جبل التجربة ، وهي واحدة من سلسلة القلاع التي بناها هيرود لتوفير الحماية والرقابة لمنطقة الغور ، ومقبالها إلى الجنوب قلعة كبيروس ، وتمتد هذه القلاع حتى مسعدة جنوباً . كلمة قرنطل من أصل لاتيني وتعني أربعين وهي إشارة الى عدد الأيام التي قضاها المسيح صائماً على الجبل . هذا الاسم أعطي للجبل في القرن الثاني عشر الميلادي من قبل الصليبيين . بني الدير الحالي عام 1895 م على أنقاض كنيسة صليبية تعود للقرن الثاني عشر ، ويمكن زيارة الدير يومياً بين السابعة صباحاً والثالثة عصراً ، وفي الصيف من السابعة حتى الخامسة مساءً .
تل السلطان :
تشغل مدينة أريحا القديمة تلة اصطناعية تشرف على المدينة من جهة الغرب وتبعد عن مركز المدينة الحالي حوالي 2 كم . دلت الحفريات التى قام بها عدد من علماء الآثار وخاصة العالمة البريطانية كاثلين كنيون في الخمسينيات أن استيطان التل بدأ منذ حوالي 9000 سنة قبل الميلاد ، وهي الفترة التي تم فيها أول انتقال للإنسان من حياة الجمع والالتقاط إلى حياة الاستقرار والزراعة . كشفت حفريات كنيون عن حوالي 23 طبقة تمثل تعاقب 23 حضارة . تراكم هذه الحضارات هو الذى صنع هذا التل الضخم الى الارتفاع الحالي له . يمكن مشاهدة كثير من الآثار الفريدة من نوعها في العالم في وسط التل مثل : البرج الحجري الضخم من اللقرن الثامن قبل الميلاد ، والأسوار ، والأدارج التي تعود بتاريخها إلى العصور الحجرية ، وهي بذلك الأقدم من نوعها في العالم كله ، وبسببها تعتبر أريحا أقدم مدينة في العالم . آخر طبقة أثرية وبالتالي آخر استيطان بشري في تل السلطان يعود إلى نهاية الفترة البيزنطية وبداية الفترة الإسلامية ويبدو أن مركز المدينة انتقل بعد ذلك إلى مكانه الحالي .
كانت مساهمات أريحا في الحضارة الإنسانية عظيمة ، ففيها جرت أول محاولات للإنسان لتدجين الحيوانات والنباتات واختراع الفخار ، هذه الاكتشافات تم التوصل اليها في أريحا قبل أكثر من الف عام من اكتشافها في بلاد عريقة أخري مثل مصر وبلاد ما بين النهرين . أما أسوار وأبراج أريحا فتسبق أهرامات مصر بأربعة آلاف عام على الأقل . لقد ورد ذكر أريحا في التوارة التى اسهبت في وصف دخول العبرانيين وهدمهم لها عند حدود عام 1200 قبل الميلاد ، ولكن الحفريات الأثرية التي نفذتها السيدة كنيون لم توفر أية أدلة على أمور من هذا النوع . يمكن زيارة التل يومياً بين الساعة الثامنة صباحاً والخامسة مساء . وهناك رسوم دخول للموقع في حدود الدولارين للشخص الواحد .
تقع عين السلطان
مقابل التل من الشرق ، وهي من أغنى عيون المدينة حيث يبلغ تدافع المياه منها حوالي 700 متر مكعب في الساعة . سميت عين السلطان بهذا الاسم نسبة الى ملك القدس " تسدكيا " الذي اقتلع البابليون عيونه عند العين بسبب مقاومته للغزو البابلي لفلسطين . ويطلق البعض على العين " عين أليشا " نسبة إلى النبي أليشع الذى طهر مياه العين بإلقاء الملح فيها بعد أن اشتكي له الأهالي من طعم المياه . في أريحا عدد آخر من العيون التي جعلت منها واحة جميلة وبدونها تغدو الحياة في المدينة غير ممكنة ، أهم هذه العيون : النويعمة ، والديوك ، والوجاء وعيون القلط